وثائقي "الأوكران ولبنان".. المفضل لدى رواد مهرجان السينما الأوكرانية الرابع


تنتشر الثقافة الأوكرانية بفضل العمل النشط لسفارة أوكرانيا في لبنان خلال السنوات الأخيرة، وتغزو جمهور الشرق الأوسط. في لبنان، خلال الأعوام 2016، 2017، و2018 على التوالي، نظمت ثلاثة مهرجانات سينمائية، مكنت المشاهدين اللبنانيين من التعرف على أمثلة من الأفلام الأوكرانية الحديثة، ومنها "ظلال الأسلاف المنسيين"، "الدليل"، "السايبورغيون"، "الحصاد المرّ"، وغيرها. أما المهرجان السينمائي الرابع، الذي نظم في بداية العام 2020، فقد كان أكثر أهمية ورسوخًا لدى مقارنته بالمهرجانات السابقة، خاصة في سياق العلاقات الدبلوماسية الأوكرانية – اللبنانية. في 21 شباط/ فبراير، قدم الفيلم الوثائقي "الأوكران ولبنان"، في عرضه الأول، في بيروت. وكاتب سيناريو الفيلم سفير أوكرانيا افي لبنان إيهور أوستاش، ومخرجه ستانيسلاف ليتفينوف، ومديره الإنتاج ميخايلو شليست.   

"الأوكران ولبنان" وثائقي يحكي قصة يصل تاريخها إلى ما يقرب ألفي سنة من العلاقات الوثيقة، التي تبدو بعيدة للغاية، بين أوكرانيا ولبنان، بين ضفاف البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، بين السلاف والعرب، بين الأرثوذكس والمسلمين. الفيلم ظاهرة وهو الأول من نوعه، ويعتبر أداة قوية من حيث المعلومات، وحجة مقنعة في الساحتين السياسية والدبلوماسية.

يقول صاحب فكرةالفيلم ومؤلف السيناريو إيهور أوستاش: "سنة 2016، عندما وصلت على لبنان أدركت أن لبنان لا يعرف سوى القليل عن أوكرانيا. ومنذ الأيام الأولى، بدأت بحثي التاريخي. اكتشفت دراسات أوكرانية فريدة في لبنان. وقد وضعت هدفًا وهو إظهار كل شيء يعني أوكرانيا أمام اللبنانيين. بعد ذلك قررت تظهير هذه القصة، فنشأت فكرة تصوير فيلم وثائقي. أول اكتشافاتي في لبنان صدمني بالفعل، صحت "وجدتها!"، بدأ الأمر عندما وقفت على مسار الرحالة الكيفي فاسيل هريهورزفيتش بارسكي عبر لبنان، ووصفه للمدن والأديرة اللبنانية في القرن الثامن عشر...".

يبدأ شريط "الأوكران ولبنان" من قصة القديسة الشهيدة بربارة البعلبكية، التي يحتفظ بذخائرها في كاتدرائية فولوديمير في كييف، ويتابع في رحلة عبر التاريخ مع الرحالة الكييفي بارسكي، فيزور الأماكن الأثرية في الديار المقدسة، ويتحدث عن الشخصيات البارزة ذات الأصل الأوكراني، ممن كان لهم شأن في سياسة البلدان الشرقية. يفتح الفيلم أمام المشاهد صفحات جديدة من حياة أغاتانغل كريمسكي في بلدة الشوير اللبنانية، وغوغول في بيروت، ويخبرنا عن عدد كبير من المثقفين والكتاب، ومنهم قنسطنطين بازيلي، الذي عمل دبلوماسيًا في الشرق الأوسط. يكشف الفيلم كذلك منابع الإبداع البولتافي لدى الكاتب اللبناني ميخائيل نعيمه، وعن جوهرة حقيقية وهي قصة "العندليب الأوكرانية في بيروت – ليديا ليبكوفسكا". وقد وثقت وصورت قصة مغنية الأوبرا البارزة هذه، وهي مهمة في سياق إظهار المعلومات الصحيحة اليوم. في الواقع، معظم المصادر كانت قد أشارت إلى ليبكوفسكا كمغنية روسية، فيحكي الفيلم عن هذه المغنية الأوكرانية الأسطورية وعن أيامها الأخيرة.

يعكس فيلم "الأوكران ولبنان" كذلك بشكل دقيق التفاعل الحديث والتناغم بين أوكرانيا ولبنان. وهذا التفاعل قبل كل شيء هو فكري، ثقافي، وفني. يتحدث عن شخصيات اوكرانية، وخاصة الأوكرانيات اللواتي حظين بالمجد في "سويسرا الشرق"، مثل عازفة البيانو تاتيانا بريماك خوري، أول فنانة منمنمات تصنع النوافذ من الزجاج الملون والفسيفساء ناتاليا دزيادك حبيب، والمؤرخة وصاحبة الصالون الفني كريستينا سلام. كذلك يتعرف مشاهد الفيلم على المشاريع الحديثة في سياق تعزيز العلاقات الأوكرانية – اللبنانية، ويكتشف الأشخاص الذين عملوا لسنوات عديدة على توحيد الجامعات الأوكرانية واللبنانية (ذوقان الجرماني، الذي يرأس نادي متخرجي الجامعات والمعاهد الأوكرانية في لبنان")، والتجمع الداعم للأوكرانيين في ظروف عيشهم الصعبة في الشرق الأوسط المتغير (إيرينا فيسوتا، التي ترأس "جمعية الجالية الأوكرانية في لبنان").

هذا الفيلم، وعلى الرغم من كثرة التفاصيل والمعلومات الأثرية والتاريخية فيه، إلا أنها تقدم بسهولة فنية لطيفة. فالمحتوى، الذي يفترض أن يثير التفكير والمفاجأة، يقدم عبر مرئيات عريضة التقطت في إطار ساحر ورائع، عبر كاميرا تصور من الفضاء وباستخدام تقنيات التوقف، تجعلك كمشاهد تطير أثناء العرض. فقد تمكن المخرج من عرض العديد من المعالم الثرية الفريدة في لبنان وأوكرانيا، مثل معبد باخوس في بعلبك، قلعة صيدا وكل مدينة صيدون التوراتية، وأديرة الروم الكاثوليك والأرثوذكس في الديار المقدسة، مدينة بيبلوس الفينيقية التاريخية، قلعة بطريركية أنطاكيا في البلمند، والمعجزة الطبيعية الحقيقية غابة الأرز، المعابد الرومانية القديمة ذات الأعمدة، ومن أوكرانيا مدن لفيف، كييف، أوديسا، رومان، بولتافا، نيجين، ذات المناظر البانورامية الخلابة.
يقول مخرج الفيلم ستانيسلاف ليتفينوف: "نحن أول فريق أجنبي يصور باستخدام طائرة بدون طيارة في جميع أنحاء لبنان، قمنا بزيارة جميع المواقع التي تربط بين أوكرانيا ولبنان تقريبا، وبناء على قصص حقيقية لأشخاص قمنا بجولة عبر العصور من الناحيتين المعلوماتية والبصرية، لبناء قصة شعبين عظيمين، من خلال قصص المعابد والأديرة والعمارة، وأثرنا قضية المعتقدات الدينية المتنوعة، ووجهات النظر العالمية وتقاليد التفكير المختلفة. الفيلم له أهمية كبيرة ثقافيًا ودبلوماسيًا وسياسيًا. بادئ ذي بدء يعمم سمعة جيدة عن أوكرانيا في العالم، فبفضله، على سبيل المثال يفهم اللبنانيون نخبوية وعمق وسحر الثقافة الأوكرانية. وقد تأكدت من خلال تجربتي من رغبة الجمهور اللبناني في مشاهدة الفيلم من جديد بعد العرض الأول. وهذا ما سيحدث بالفعل، حيث ستستمر العروض خلال العام الحالي في المدن اللبنانية".

عرض فيلم "الأوكران ولبنان" بالفعل على الشاشات العريضة في بيروت، صيدا، وزحلة، برعاية سفارة أوكرانيا في لبنان، وبدعم من وكالة الأفلام الحكومية الأوكرانية، واستديوهات "ألفا برودكشن"، والمركز الثقافي اللبناني في أوكرانيا، ودور السينما اللبنانية "ستارغيت" و"غالاكسي"، وبلدية زحلة، و"جمعية الجالية الأوكرانية في لبنان"، و"نادي متخرجي الجامعات والمعاهد الأوكرانية في لبنان".



Comments