عشرينيون يمارسون عادات الأهل للحفاظ على أطفالهم

"البيض لطرد العين.. لكن إذا كانت فيه روح"
عشرينيون يمارسون عادات الأهل للحفاظ على أطفالهم

المستقبل - الخميس 8 كانون الأول 2005 - العدد 2120 - شباب - صفحة 11
عماد الدين رائف
كان أسعد قد أبدى استغرابه أكثر من مرة من وجود "بيض لايت" على رفوف السوبرماركت، التي يقصدها مع زوجته رولا أول كل شهر لشراء ما لا يجده في الدكان الملاصق للشقة المستأجرة التي يسكناها. أخذ العشريني يفكر في كيفية إنتاج هذه النوعية من البيض، وتوصل أخيراً إلى أنه لا بد من تجويع الدجاج للحصول على بيض خاص بالريجيم! إلا أن استغرابه ذلك ما لبث أن تحول إلى ذهول عندما لاحظ أن زوجته، التي لم تتخط العشرين قد بدأت باستعمال البيض اللايت لدفع "العين التي أصابت" وحيدهما الرضيع جاد. كانت رولا على بَساطتها تتناول بيضة من البراد بعد كل مرة تخرج برضيعها إلى الشارع، ثم تكسرها بعد "اسم الله يخزي العين"، وتدخل سبابتها في الزلال ثم تمسح برطوبته جبين جاد الباكي أبداً، ثم رسغيه وأسفل بطنه. وهكذا تزول العين الحاسدة عن الغزال.تضحك هدى من سوء تصرف زميلتها في العمل، وتقول: "هذه البيضة لا تصلح لصد العين، يجب عليك أن تحصلي على بيض بلدي.. بيض يوجد فيه روح". ولمزيد من الدعم لرأيها تأتي بأختها إيمان. تستنكر إيمان فعل رولا وتزم شفتيها وهي "تسأسىء": "لَهْ، لَهْ كنتِ روّحتيه للصبي". إلا أن رولا المشغولة دائما بين عملها وراء الصندوق في محل تجاري وبين بيتها، لا تجد وقتا كافياً للحصول "على بيض فيه روح"، فتدعي "أن البيض بيض سواء أكان فيه روح أو لا، فوظيفته دفع العين، وخلص". تحمل هدى من بيتها القريب سطلا صغيرا فيه بعض البيضات الحمراء المدفونة في كومة من القش، وتقدمه إلى زميلتها كعربون محبة للصغير الذي "صارت ريحته زنخة"
سكب رصاص
"أحسّ نزار بضغط كبير "بعد أن رزقه الله ابنته دادو"، فتراه وكأنه يحمل هموم الخلق كلهم فوق رأسه. كنت تظنه يفكر في أمور الحياة المادية، كما هي العادة في الآباء الجدد الذين لم يعتادوا بعد على مصاريف الحليب والحفاضات وكل أنواع الزيوت والمساحيق "الجونسونية". إلا انه نظر إليك نظرة جدية بعد ما قرب حاجبيه من بعضهما البعض، وقال: "محسودة البنت يا شيخ، والله ما عارف شو بدي أعمل". لم يمض أسبوع حتى عاد نزار إلى ابتسامته وإلى المصطبة التي تجمعه مع أصحابه على طاولة الليخة. أما السر في ذلك فيعود إلى الوصفة السحرية التي أتت بها حماته أم نجوى. تأتي الخمسينية يومياً إلى بيت ابنتها لتذيب قطعة من معدن الرصاص في ملعقة كبيرة على نار الغاز. ثم تقوم نجوى بحمل طنجرة ملآنة بالماء البارد فوق رأس ابنتها منتظرة أمها، التي تشهق بصوت مرتفع ثم تسكب الرصاص السائل في الماء. ما إن يلامس المعدن المنصهر برودة الماء حتى يحدث الصوت المنتظر "فششش". تنظر الأم إلى ابنتها نظرة عتب، أي أن الصغيرة قد أصيبت بالعين، وعليها أن تحافظ عليها بشكل أفضل "بعيداً عن أصحاب العيون الفارغة". ثم تنزل يدها في الطنجرة بحثا عن الرصاص الذي تكوّر فصار يشبه شكل العين التي أصابت حفيدتها الغالية. وعندها تتمكن حماة نزار من تحديد صاحبة العين التي أصابت دادو، وغالبا ما تكون جارتها التي تكره "أم عيون زرق وسنان فُرْق..".المشكلة التي وقع فيها نزار هي مشكلة جميل أيضا، كان لزاما عليه أن يأتي بابنته ليضعها على السرير قرب ابنة صديقه نزار كي يتلقيا جرعة العلاج بالرصاص. لا يبالي جميل كثيراً بـ"الطقوس العجيبة" التي تقوم بها حماة صديقه فوق رأس وحيدته، المهم أنه أصبح أكثر حرية ليكمل "برتيات الورق" مع الشباب. أما إذا بدأت البنت بالبكاء بعد منتصف الليل، فيكون مغص عابر وليس صيبة عين من "أم عيون إياها".
طاسة رعبة
عندما انتقل سعيد مع زوجته سلوى إلى شقتهما الجديدة، لاحظ وجود قطعة نحاسية غريبة في "جهاز عروسته" المحمول من بيت أهلها. أمسك الشاب بالقطعة التي تشبه الصحن النحاسي الذي يزين أركيلة والده التي لا تنطفئ. من قعر الصحن الأصفر يرتفع جزء يشبه الشمسية أو الفطر، ومن الفطر تنحدر سلاسل صغيرة فضية تشبه إلى حد بعيد تلك التي تزين السبحات. نظر صاحبنا إلى الصحن النحاسي طويلا، ولما لم يهتد إلى ماهيته تركه حيث وجده بين الأمتعة. عاد الصحن ليظهر من جديد في حياة سعيد بعد أكثر من سنة. يقول: "أيقظتني سلوى بعد منتصف الليل وهي تحمل طاسة الرعبة في يمناها وشمعة في اليسرى، فأصابتني بالرعب، قبل أن تطلب مني أن أساعدها لتسقي رورو من الطاسة". اكتشف سعيد وظيفة الطاسة متأخراً، فالصغير الذي ملأ البيت بكاء "زاد بكاؤه بعد أن ما شرب من ماء الطاسة، صار عنده حزوقة كذلك"، يقول سعيد الذي لا يبدو عليه أنه نام ليلة هانئة.حول طاولة صغيرة حمل إليها راجي قهوة الصباح، أمام دكان سعيد الذي تحول إلى صالة لعرض إكسسوارات الخلوي، احتدم النقاش بين راجي المدافع عن تأثير طاسة الرعبة وإزالتها للخوف الناتج عن "النأزة"، وبين سعيد وشريكه سامي اللذين أسكتهما صديقهما: "خلصنا بقى، أين ذكر أنه توجد طاسة؟" يسأل سامي، ثم يضيف: "ماذا عن الكبير إذا أصيب بالذعر؟ أتأتي له بسطل رعبة؟؟". كان هم الشابين منحصراً في شرب القهوة ومراقبة الفتيات النازلات من باص أبيض إلى معمل الخياطة القريب. وسرعان ما نسي صاحبنا "نأزة" صغيره، وسهر الليل. هذه الطرق المتبعة لإزالة الآثار المترتبة على عين فارغة تصيب الأطفال عادة، أو للتخلص من حلم مزعج أصاب طفلا نائما بعد مشاهدته للأخبار التي أضحت تصيب الكبار بالرعب، كلها طرق بسيطة يمكن تنفيذها بسهولة. على بعد شارعين من شقة سعيد حيث حفرت أساسات بناية، وقف صاحبها وفي يده كرتونة من البيض وهو يرمي في كل زاوية بعض البيضات المشتراة من الدكان القريب، كان الناطور ينظر إلى "ولي نعمته" وهو يفرّط بكمية من البيض تصلح لترويقته وتكفيه ليومين أو ثلاثة. كان الرجل يدفع العين الحاسدة عن بنائه الذي لم ير النور بعد. أنهى الرجل مهمته ثم انطلق في سيارته الحديثة الطراز، كان قد زين مؤخرتها بحذاء صغير. أكد الناطور أن الرجل عندما ابتاع سيارته موديل السنة، وقف أمامها كذلك وفي يده كرتونة بيض، ثم أخذ يرشقها بالبيض الذي أخذ يُقلى تحت شمس الصيف على الرفاريف السوداء.أما بالنسبة إلى الأطفال فتقول إيمان: "إذا استطاع الأهل أن يلاحظوا أي تغير على ولدهم فعليهم بالبيض". وهي "لا تحتاج إلى شيخ أو عرّاف أو رقية شرعية أو غير شرعية"، كما يضيف سعيد. طرق بسيطة تؤدي دورها على التمام والكمال شرط أن يكون تنفيذها مرتبطا بالإيمان بقدرة الرصاصة على إزالة العين، أو بالروح الكامنة في بيضة السوبرماركت التي تفدي روح الصغير أو الصغيرة. "وهي لا ترتبط بدين أو طائفة" على حد قول نزار. أما جميل الذي عاد من عمله متعبا مهدود القوى، فقد رفض عرض زوجته السخي "أن تكسر له بيضة"، واتهمها بالإيمان بالتفاهات، ودافعت هي عن معتقداتها بشدة، لا سيما وأنها تجدي نفعا مع صغيرهما. فحار الشاب جوابا ولكنه أصر على رفضه، وكاد يخرج من البيت على تعبه لو أقدمت على ذلك، عندما تسأله عن السبب، يقول وهو يبتسم: "يا أخي ما بحب الزَنْخة".

Comments