زواج مبكر وتحد كبير .. لكن النهاية كانت وما زالت سعيدة

زواج مبكر وتحد كبير.. لكن النهاية كانت وما زالت سعيدة
عماد الدين رائف
السفير 18-05-2005
يكثر عدنان من تبسمه وهو يتحدث عن أجمل أيامه وأكثرها طيشاً. <<لم تكن هناك خطبة ولا من يحزنون. حتى أن والد ميرا لم يوافق على مقابلتي>>. كانت خطيفة، وهي ببساطة زواج من تعذر زواجه لاعتراض الأهل. عدنان اليوم يتحمل مسؤولية أسرته الصغيرة، يخرج مع السادسة صباحا إلى عمله المتعب ليعود <<وهو في غاية السرور إلى زوجته وولديه>> كما يقول. يعود من الخارج إلى الحمام ليغسل شحم إطارات السيارات العالق على يديه ووجهه، فيما كان بإمكانه أن ينهي دراسته الجامعية ويحصل على وظيفة، كما يدعي والده الذي يتحين الفرص ليذكره بذلك في كل مرة يزوره فيها. يضحك وهو يحتضن صغيره بين يديه، يذكر كلام والده :<<في كل مرة يردد عليّ نفس التعويذة كأنها صلاة يا رجل. وفي كل مرة أشير إلى شهادة أخي المعلقة على الحائط وأذكر أبي بأن أخي منذ تخرجه متمرس بطالة>>. توافقه ميرا بهزات خفيفة من رأسها. تنكسر عيناها خجلا عند ذكر ليلة الخطيفة، تقول: <<كل شيء صار تمام بيني وبين الأهل، الآن يعرفون قيمة عدنان الذي لم يوافقوا عليه في البداية. صار أحسن صهر عندهم>>.
على الرغم من أن ذكريات زواجه الذي تم بلا عرس لا تبعد عن اليوم كثيرا (أربع سنوات)، إلا أنك تخاله يتحدث عن زمن بعيد ولذيذ. غيرته الأيام، لم يمد له أحد يد المساعدة. يقول: <<مرت علينا أيام، في البداية، إن وجدنا ترويقة لا نجد عشاءنا، لكن الحمد لله، كل شيء بخير ما دمنا معا>>. الخطيفة حل لرفض الأهل للزواج المبكر. لكن هناك طرقا أخرى <<للتحايل>> كي يرتبط شخصان حين يجدا بعضهما البعض ويقررا ان يصيرا واحدا. الحكايات كثيرة... تجمعها نهايات تشبه تلك النهايات التقليدية لقصص الأطفال: وعاشا بعد ذلك سعيدين إلى الأبد. قد لا تكون السعادة مطلقة... لكن ثمة علاقة وجدت لها طريقا ليس معبدا تماما لكنه طريق غير موحش، لأن من يمشي فيه يضع يده دائما في يد ثانية وقد تكثر الأيدي أيضا. نهاية اختار لها والدها هذا الاسم لتكون آخر عنقوده المؤلف من بناته الخمس. لم يكن يظن انها <<ستخرج عن طوعه، وتصر على زواجها من سامي الذي لم يتخرج بعد>>. وقفت حينها موقفا حازما كان لا بد لها من تحمل عقباته، قبل الأب على مضض وكان عرسهما البسيط مرحلة فرح لا توصف في حياتهما. عملا معا على تأمين لقمة العيش وإيجار المسكن المتواضع الذي ما زالا يحتلانه، بعد سنوات ثلاث مرت سريعة. تقول: <<رجعت إلى أبي بعد ستة أشهر أطلب مساعدة فلم يستقبلني حينها. بل قال لأختي خليهن يقلعوا شوكاتهن بإيديهن>>. ثم نهضا معا ليواجها <<صعوبة الحياة في مدينة لا ترحم>>. تخرج سامي من الجامعة في أحلك الظروف وتبعته زوجته الحامل. نال الزوج وظيفة لم تأت على قدر طموحه لكنها تفي بالغرض. يقول العشريني: <<إن كان الخيار بين أن أبقى بدون نهاية إلى حين أكون قد اشتريت شقة وسيارة، كما طلب والدها، وبين أن أتعذب كل يوم ولكن أكون آخر النهار معها أختار الثانية بلا طول تفكير>>. هي كذلك، اثنتان من أخواتها كان مصيرهما الطلاق. راهن الجميع على طلاقها بعد شهر أو شهرين من زواجها. لكنها اختارت حبيبها الذي تريده لا الذي أراده والدها لها وصمدت، ونالت <<سعادة لا تقايضها بمال الدنيا>>.
بأمرك
أما جمال وعائشة فحكياتهما مختلفة. كلما فتح والد الفتاة بابا كان يغلقه جمال في زيارته الرسمية الأولى لطلب يدها. يقول مغمضا عينيه محاولا تذكر تفاصيل المشهد: <<طلب شقة فقلت له حاضر، طلب مهر الله أكبر، قلت له بتأمر...>>. على الرغم من انه لم يكن يملك إيجار غرفة صغيرة إلا انه بدأ يبحث عن عمل. أي عمل. يضيف: <<كان علي أن آتي بالمال من تحت الأرض، إذ انه قبل أن ألتقي بعائشة لم يكن لدي حافز على العمل. وسرعان ما وجدت عملا في مجال بيع الخضار>>. وها هو اليوم يقود شاحنته الصغيرة محملة بالخضار الطازجة من السوق إلى محله الذي سلمه لأخية بعد أربع سنوات من العمل والزواج. بطبيعة الحال لم يستطع لغاية تاريخه أن يشتري شقة ليرضي حماه <<اللطيف>> إلا انه سدد جميع الديون التي تراكمت عليه في سنة زواجه الأولى، وأهمها <<كمبيالات البيك آب>>. أما عائشة التي لم تنقطع عن الجامعة فقد وجدت لها فرصة بين المعلمات الأكبر سنا في المدرسة المتوسطة في الحي. تأمل أن تنهي سنتها الجامعية الأخيرة، لعلها تستطيع أن تعين زوجها براتب أفضل مما تحصل عليه الآن. حياتهما بسيطة، أجّلا الأولاد إلى حين. ينظران بعين الأمل إلى مستقبل أفضل.
إلحقني!
أكل <<المسكين>> المقلب بعد أن وصله خبر لفّقته وضمنت وصوله، فحواه أن أحدهم سيأتي لخطبتها، جاء بسرعة البرق بعد أن ملأ بيت أهله زعاقاً ونقاً. وافق والداه مجبرين تحت تهديد وحيدهما بالانتحار. كانت الزيارة مفاجئة لوالدها، الذي لم يكن قد أتيح الوقت بعد لأمها، أن تمهد السبيل لإخباره بنبأ طلب يد الفتاة، التي ما زالت <<على عتبة السبعتعش>>. يقول: <<ما الذي يمكن أن يؤمنه راتب السكيوريتي، كان لا بد لي من البحث عن عمل آخر. تدربت في إحدى الشركات على البيع والتوزيع، وصرت بعدها مندوب مبيعات>>. معينة، ما زال يحملها مسؤولية ارتباطهما المبكر عن طريق المزح في أغلب الأحيان، تقول: <<سأدخل في العشرين قريبا، يظنني الأهل ما زلت طفلة ويعاملونني على هذا الأساس، إلا أنني أنظر إلى أختي التي تكبرني بثلاثة أعوام كأنها طفلة لأنها لم تختبر الحياة بعد>>. تقصد انها لم تتزوج. كانت السنتان اللتان قضتهما مع جاد في بيتهما المستأجر كفيلتين بتغييرها. أصبحت الآن أكثر جرأة وتنظيما... أصبحت مشروع أم.
أصدقاء وصديقات
على مصطبة تابعة لسطح بناء آخر، فرش سعيد حصيرة بلاستيكية وجلس الأصدقاء حلقة ليشهدوا آخر برتية ليخة ليأخذ محمد بثأره من الذين <<بهدلوه>> البارحة. كان الجيران يشاهدون اللعبة من شرفاتهم القريبة جدا. كانت الزوجات الثلاث ضمن الحلقة أيضا. كل واحدة منهن أخذت تشجع زوجها، واشتعلت معركة رمي الورق والصراخ. تقول نجوى، التي تركت المدرسة في سن مبكرة واليوم تجاوزت العشرين بشهور: <<كان عندنا صديقة رابعة، وكان من المقرر أن يتزوجها صديق لزوجي أيضا. إلا انه لا يوجد نصيب. تصور أربعة أصدقاء يتزوجون أربع صديقات>>. تحاول أن تخبرها انه حتى ثلاث أزواج كانوا أصدقاء قبل زواجهم <<شي منيح كمان>>. إلا انها تصر <<أربعة أحسن>>. ربيعة، التي لم تلد بعد، تجد وقتا للتنزه برفقة زوجها فيما تبقى نجوى وسماح مقيدتين كل واحدة بطفلها. على هذه المصطبة، وفي بيت نزار الأكثر رحابة يجتمعون يوميا بعد ساعات العمل، في مصنع للمشروبات الغازية حيث يعملون. تبدأ حياتهم الحقيقية بعد لقائهم اليومي، غالبا ما يتناولون عشاءهم معا ولا يفترقون إلا وقت النوم. من الصعب على دخيل مثلك أن يفهم نكاتهم و<<همزاتهم ولمزاتهم>> التي تعودوها منذ كانوا أطفالا. يقول محمد: <<تعرض كل منا لأزمات. خاصة من ناحية المصاري، ولكن تجدنا مع بعضنا البعض في كل مرة. ندعم بعضنا البعض وماشي الحال. لغاية اليوم ليس لدينا أطفال في المدارس وإلا كانت طلعت الصرخة، ولكن لحّق على حفاضات>>. هكذا هي حياتهم. كانوا أطفالا بنظر من هم أكبر سنا حين قرروا ونفذوا. هم اليوم يحملون مسؤولية كبيرة في وقت يفر كثيرون من حمل أدنى مستوى من المسؤولية.

Comments