شباب يبحث عن الرزق في الموسم الانتخابي


شباب يبحث عن الرزق في الموسم الانتخابي
وكالة أبو ليلى وشركائه للصق الوجوه و<<تفويل>> السيارات
عماد الدين رائف
السفير 25/05/2005

أيام وتبدأ الانتخابات. الحدث الأكثر أهمية في الحياة السياسية للبنانيين. فيما يحتدم النقاش على المستويات كافة، ويحضر كثيرون أنفسهم للإدلاء بأصواتهم متسلحين ببطاقاتهم الانتخابية دعما لهذا المرشح أو ذاك، لهذه اللائحة أو تلك وفيما تمتلئ الطرقات والأزقة باللافتات والصور يحضر بعض الشبان أنفسهم لمعركة من نوع آخر. أو فلنقل لخطة عمل توفر لهم بعض الأوراق النقدية الخضراء.
... لا يمهلك بل يريد أن يريك بعينك، أمين العشريني، يقلك بسيارته <<القطش>> إلى حيث ترك <<اللف>> ليكبّر لها رزرفوارها. عندما تسأله عن الجدوى من تكبير خزان الوقود يضحك الحداد الذي يتطاير نار شرارات التلحيم من بين أصابعه. يضحك عليك وكأنك لست <<من أهل البلد>>. طريقته بسيطة في شرح الأمور، سيملأ خزان وقود سيارته في يوم الانتخابات مرتين أو ثلاث على حساب <<الجماعة إياهم>>. يقول: <<سأكسب تنكتي بنزين في كل تفويلة، بالإضافة إلى الغالونات العشرين ليتر في الطابونيه>>. لا يخفيك انه في الدورة السابقة وصلت يوميته إلى ورقة المئة دولار. أما اليوم، فقد آن الأوان لتوسعة النشاط. سيتعاون مع ثلاثة من رفاقه للعمل على سيارتين بدوامين. سرعان ما تكتشف أن الرفاق المزعومين ليسوا سوى أخويه وابن عمه. <<بزنس عائلي>>. أما العمل على سيارتين فيبدو أكثر تعقيدا، إذ انه سيسجلهما في أكثر من مكتب انتخابي، وبالتالي سيكون <<مثل المنشار، على الرايح آكل وعلى الجاي آكل>>. سمير أخوه الأصغر صار يحق له <<أن يحمل بطاقة انتخابية>>، يتمنى لو كان سينتخب في دائرة <<مدهنة>> حيث يمكنه أن يبيع صوته، لكنه والحال كذلك لا بد له من القيام بتوصيل الناخبين وتقاضي يومية السيارة <<ذات الأربع يوميات>>، سيسجلها في مكتبين انتخابيين متنافسين بدوامين! <<كيف؟>>. يجيب كامل عشريني عاطل عن العمل عادة : <<الطريقة لا تهم، المهم انه يجب عليك أن تحضر صورا للفريقين وشعاراتهما وشريطا لاصقا وتضعها في صندوق السيارة الخلفي، وتقوم بتبديلها عبر لصقها على الزجاج وغطاء الموتور في منطقة محايدة في كل مرة. ويجب أن تمر مرتين على الأقل على المكتب المحدد في اليوم الانتخابي الطويل. وبذلك تضمن اليومية>>. أما عن بونات البنزين التي يراهن عليها أمين، الذي لا تهمه يومية السيارة بقدرها، فيقول: <<المهم التفويلة، غالونان في الصندوق وتنكتان إضافيتان في الخزان. هذه يومية حرزانة مع يومية السيارة. أجمل قانون إنتخابي في لبنان كل أسبوع بميلة>>. اكتسب الشاب الكثير الحركة لقبه المسبوق بعبارة <<الاسم بالخير...>> في الدورة الانتخابية الماضية. كان قد ارتبط بجوقة أحد المرشحين الذين <<فتّوا ليرات بدورة الألفين>>. تقرب أبو ليلى العشريني الأسمر من أحد <<كوزماتشية الزعيم>>. وصار يخدمه <<بين يديه روح روح تعال تعال>>، إلى أن أضاءت اللمبة في رأسه، فجمع شلة الحي وأنشأوا <<وكالة للصق الصور وتمزيق أخرى>>. يسخر أبو ليلى من جهلك بخفايا الأمور ويقوم بتفسيرها. يقول: <<يا أخي، أنا أتقاضى المال سلفا مع تحديد المهمة. في الدورة الماضية كانت تأتينا الأوامر أن ننتظر الصور الطازجة للمرشحين المنافسين لنقوم بتمزيقها، أو حالما تعلق نعلق صورة صاحبنا فوقها وهكذا>>. ثم ما يلبث أن يبوح لك بسر صغير يعده إنجازا من إنجازاته العديدة في هذا الحقل. يضيف: <<بيني وبينك، أنا كنت آخذ من الاثنين>>. يفسر: <<يعني كنت متعاقدا مع المرشحين المتنافسين على المقعد نفسه في الوقت نفسه، يقوم فريق من الشلة بتعليق صور الأول ثم ما تلبث بقية الشلة أن تلصق فوقها صور الآخر>>. وهكذا حصل أبو ليلى على نقوده ويوميات الشباب وسيارة صغيرة <<تمشي الحال>> بالإضافة إلى <<أوسمة>> في الصدق في المعاملة تترجمت جهازي خليوي مع خطين من الزعيمين المتنافسين. في تحضيراته للموسم الجديد، قام باستئجار محل صغير <<مش بعين حدا>> كي لا يدفع كثيرا. جمع فيه الشلة والعدة من فراش ومماسح وغراء محلي الصنع بالإضافة إلى عدد من الشغيلة المياومين. وزع على كل واحد منهم سطله وفرشاته ومشحافاً، قسمهم ثلاث فرق. وفي انتظار ساعة الصفر وجد الوقت متسعا للأركيلة، يقول: <<سنغير شكل الشوارع بإذن الله، إنها وكالة أبي ليلى غير المحدودة للصق الوجوه>>. وعلى <<الضفة>> الأخرى للمدينة يقف بشار في بذلته السوداء الفاخرة. <<خريج إحدى جامعات التعتير>>، يعرف عن نفسه بابتسامة. أنشأ مع صديقه مازن خريج الجامعة نفسها ورفاقهما شركة <<غير مسجلة>> تستعصي طبيعة عملها على الفهم. يقول: <<يبدأ النشاط بالتنسيق مع المكاتب الانتخابية في مناطق نكون قد أجرينا عليها دراسات مكثفة>>. يضحكان عند ذكر الدراسات المكثفة. المهمة تنحصر بإيهام المرشحين بازدياد عدد المؤيدين لهم في هذه المنطقة أو تلك. يضيف: <<وبالتالي لا بأس بتنظيم لقاء يجمع المرشح الحنون ببعض العائلات ذات الثقل الانتخابي في المنطقة المحددة>>. ويتم اللقاء المليء بالوعود والصور والهتاف <<بالروح بالدم، مع مجموعات من عائلات مفترضة، تم التنسيق معها مسبقا>>. هم أصدقاؤهما، أي بقية الشلة. وهكذا ينتقل الصديقان من مرشح إلى آخر بنفس البذلات والابتسامات، مع تغيير طفيف يتمثل بتغيير صور المرشحين والمرشحين أنفسهم في كل مرة ومع كل زيارة. عندما ينهي مازن شرحه يجد نفسه بحاجة إلى سيجارة، فيكمل بشار: <<أليس من العيب أن يبيع المواطن صوته الانتخابي مقابل القليل فيما يمكنه أن يحصل على أموال المرشحين بشرف وعن طيب نفس؟>>. أكثر ما يعجبه أولئك الذين يترشحون لأول مرة، إذ يسهل التعامل معهم، <<فكلما مدحت المرشح كلما كان العطاء أدسم. يمكننا أن نستغلهم مرة كل أربع خمس سنوات فيما هم فوق رقابنا إلى الأبد>>. لا يشاركه زميله رأيه الذي يعده يساريا أكثر من اللزوم، ويلخص الأمر بأنه <<أكل عيش>>. يحاول كل واحد من الشبان تبرير أفعاله في اليوم الموعود. يتحجج سامر أخو أمين الأوسط بالحالة المعيشية التي ألجأته إلى ما يقوم به. فيما يقول أبو ليلى انه لن يكون موجودا عند اقتسام الجبنة على مائدة الزعيم المعدة للمقربين جدا عند فوزه. وتسمع ما تسمع من مازن. إلا انهم جميعا لا يصوتون، لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع ولن يتوجهوا في يوم عمل شاق. انهم من المنسيين في هذا الوطن. <<نحن من مسحوقين كثيرين يحاولون استرداد بعض ما سلب منهم، من أيدي أناس سينهبون ما تبقى من البلد في السنوات القادمة إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا>>. هكذا ينهي بشار كلامه، ولا ينسى أن يرفع سبابته ووسطاه بشارة نصر.

Comments