من مضار الإقلاع عن التدخين


التدخين على متن علبة سردين المستقبل - الخميس 8 حزيران 2006 - العدد 2288 - شباب - صفحة 11عماد الدين رائف ـ دبي
يتحداني صديقي الذي ينعم بهواء مكيف السيارة البارد: "إذا أردت أن تدخن فافتح الشباك". كان قد توقف عن التدخين قبل نصف ساعة، عندما كنا نقطع الطريق المؤدية إلى دبي من جانب الـ"سنتشري مول" بالقرب من مقهى الفنانيين الذي اعتدنا في الأيام الماضية ارتياده معاً، والتجمع تحت غطيطة الأراكيل. أقلع عن التدخين فجأة، بلا مقدمات.طارت بنا السيارة فوق الزفت الملتهب قرب أبراج الإمارات في ساعة الظهيرة. يتموج إسفلت الطريق بفعل الحرارة المرتفعة، وبتموجه أتخيلني ماشياً على الزفت الملتهب والبخار يتصاعد من رأسي كما في أفلام الكرتون. يضحك صديقي، وهو يريني أطول برج سكني في العالم، أكبر فندق، أكبر علم، أفضل منتجع سياحي، أجمل، أوسع، أعلى... ما باله صار يكثر من استعمال "أفعل التفضيل"، أم انه أحد تأثيرات الإقلاع عن التدخين.التدخين يمنع على متن الطائرة فأفضل النوم على الاستمرار بمقاومة رغباتي في النيكوتين، تطفأ فوق رأسي إشارة حزام الأمان، تطفأ شاشة تعليمات السلامة، تطفأ كل الإشارات إلا إشارة المنع، تلك الحمراء البغيضة. يمنع التدخين، كذلك، في المطار، إلا في غرف صغيرة تغصّ بالمدخنين، يتجمعون تحت شفاطات الهواء، وكأنهم يمارسون طقوساً من الشعوذة "والعياذ بالله". ينظر العابرون الذين منّ الله عليهم بنعمة عدم التدخين إلى أولئك المتجمعين تحت الشفاط، بعضهم لا يهمه الأمر أصلاً، بعضهم الآخر يهز برأسه أسفاً "على انحطاط البشرية إلى هذا المستوى الذي يسمح للناس بإشعال لفافات ورقية محشوّة بنباتات غريبة بنية اللون"، كما يتحفني زميل لي في غرفة المدخنين ونحن ننظر معاً نحو الدخان الهارب عبر الشفاط من سقف الغرفة، كنا محشورين، وكأننا في علبة سردين، نمارس "عبادة التبغ" في غرفة زجاجية على مرأى ومسمع من عابرين غير مبالين بإدماننا.يمنع في الدوائر الرسمية ومرفقاتها.. حتى في الباحات الخارجية. في مطعم "المندي"، على الرغم من أن النادل تفضل عليّ بشراء علبة سجائر، لكنه حالما أشعلت واحدة طلب مني المغادرة بلطف زائد، "إذاً، لماذا اشتريت تلك العلبة؟". لا جواب، أحصل من النادل على ابتسامة شامتة.كذلك يمنع في الصالون الصغير للفندق الحديث البناء، وإذا لا سمح الله قمت بإشعال سيجارة تلاحقني النظرات أن اطفئها. كيفما يتجه ناظراي يصطدمان بإشارة منع التدخين. أرفض أن أدخن في التواليت، فذلك ليس من شيمي، كما أخبرت صديقي، أرفض أن أدخن متخفياً عن العيون. كيفما نظرت أراها تلك الإشارة "الملعونة"، فغدوت أعدّ اللحظات كي تنقضي الجلسة، كي يمهلني المتحدثون إليّ خمس دقائق غالية لأختلي بسيجارتي فنمارس اللذة المحرمة معاً.بالعودة إلى سيارة صديقي؛ كنت قد وجدت فرصتي أخيراً أمام برج العرب، فقدرت أنه لا يمكنني تفويتها بعدم أخذ صورة تذكارية لي أمام "أعظم" فندق في العالم، لسعتني نار الطقس الذي لا يرحم في منطقة الجميرة، التي كما هو واضح من كلامه أتت اسماً على مسمى. خرجت من السيارة شاهراً سيجارتي، ورضيت أن أقف مدخناً تحت شمس الظهيرة، صار صديقي المتسلح بنظارتي شمس وكاسكيت يتباطأ في إخراج كاميرته، يمشي الهوينى قاطعاً الطريق فيما أقف ملتهماً النيكوتين محاذراً أن ألمس حديد السيارة أو المقعد الحجري كي لا أحترق. كنت أظنني أجمع بين نارين، نار الطقس ونار السيجارة، لكنه نظر إلى نظرة عارف بالأمور، ذلك الذي اقلع عن التدخين منذ ساعة تقريباً قائلاً: "لا، ثلاث نيران... أنسيت نار جهنم؟". صار صديقي فقيهاً يحرّم التبغ وتوابعه... أنظر إلى صورتي الملتقطة أمام برج العرب، أضحك لمنظري وأنا أحمل سيجارتي قرب شفتي، أتذكر آخر تصريح لصديقي قائلاً لي: "ألله يشفيك!".

Comments