جنرال

في حارة حريك التي لم يرجع الجنرال إليها بعد
عماد الدين رائف
السفير 11/05/2005
بعد كل ما حدث في لبنان. بعد اغتيال الرئيس الحريري وما رافقه وما تبعه من معارضة وموالاة واستعراضات قوى وبشر على الشاشات. يعود الجنرال القديم إلى لبنانه الذي يستقبله. لبنانه يبدو بعيدا جدا عن الضاحية الجنوبية لبيروت، على الرغم من استعادة لازمة قديمة تعيد لصق الجنرال بالضاحية. أهو حقا ابن الضاحية؟ طبعا هو ابن الضاحية كما معظم أبناء الضاحية الحاليين. هم يصرون على انتماءاتهم المكانية التي تبتعد بهم إلى الجنوب والبقاع وبعض قرى جبيل وكسروان. أتراه يصر مثلهم على انتمائه الذي لم يعد له نكهة؟ انتماء إلى حارة حريك التي حتى لو جامله شبانها بالتبسم عند التحدث عنه، لكنه يبدو غريبا لهم انتماؤه إليها. لن نتمكن من الوقوف على رأيه الصريح إن لم يترجمه فعلاً يوما ما. ربما في الانتخابات القادمة. أما أبناء ضاحية اليوم فهم يجدون أنفسهم بعيدين جدا عن الجنرال وآرائه المعلنة منها وغير المعلنة. لا مبالون طارق يبدو كلامك عن الجنرال غريبا له. يبعد رأسه قليلا إلى الخلف، يضيّق فتحة عينه اليمنى قبل أن يبرز شفتيه، ليجيب: <<هذا الكلام صحيح، نحن منذ وعينا، يقولون لنا في البيت، إننا من الجنوب مع أنني لم أقض ليلة واحدة هناك>>. يتدخل صديقه بسام ليوضح: <<بين الضاحية والجنوب أو البقاع لا يوجد فرق أما عن عون، شو دخله بحارة حريك وزواريبها لا أعرف؟>>. يعترض طارق: <<يقولون إن الرجل كان عنده بيت في هذا الحي، لكن ما معنى ذلك؟ مرحبا بيت. على كل حال لا فرق إن بقي الرجل في فرنسا أو عاد إلى بيروت، طالما ليس في يده مدفع يقصف به عليك>>. ثم ما يلبث أن يحتدم الجدل بين الصديقين وينضم إليهم آخرون مع أراكيلهم الممتدة على رصيف أمام مقهى انترنت. يقول فراس الذي يبدو أكبرهم سنا: <<نالت المنطقة نصيبها من قذائف الجنرال كجاراتها، فلو كان من هذه المنطقة كان ليميزها قليلا، كان زاد العيار شوي. ضرب الحبيب زبيب>>. يتركز الكلام حول لافتة حملت في استقبال الجنرال العائد من منفاه. كانت اللافتة تتحدث <<عنهم>>، يُسكت هاشم الجميع بصوته الجهوري: <<ألم يكن في استقباله أهالي حارة حريك وزواريبها؟ يعني نحن منهم. جبلي شي واحد تعرفه نزل على ساحة الشهداء لاستقبال عون!>>. حل الصمت على الجميع. <<لا أحد>>. على بعد زاروبين أو ثلاثة تصبح المنطقة منطقة أمنية. ترتفع أعلام لبنان وفلسطين وحزب الله على سوارٍ متوازية. يقف شبان ملتحون لا يمكن التحدث إليهم أثناء انشغالهم بالحراسة. يقفون بثيابهم السوداء، يعيدون إلى الذاكرة المقاومة ودماء الشهداء على أرض الجنوب. جنوبهم الحاضر دائما في الضاحية بكل ما فيها ومن فيها. مبالون.. لكن آخرون أبدوا معرفة خاصة بمصطلحات المرحلة وتفاصيلها. زياد الذي يقف على أعتاب التخرج لم ير أية أهمية لعودة عون، يقول: <<بالعكس، لو انه بقي يقاوم من فرنسا لظل كلامه مسموعا. أما وقد عاد فانه سيخوض في السياسة اللبنانية القذرة والتحالفات وسيفقد الهالة التي أحاطت به كل تلك السنوات>>. أما عن أتباع عون فخليل، خريج العلوم السياسية، كان الوحيد الذي أسماهم باسمهم، أي بالتيار الوطني الحر، فيما اكتفى الآخرون بتسميتهم بالعونيه، أي بالعونيين. يقول خليل: <<عون لبناني، سواء نسبته إلى الضاحية أو إلى أي منطقة أخرى، لا يهم. وربما هو لا يهمه ذلك. المهم ما سنراه في القريب العاجل من تحالفات وبرنامج سياسي مطبق على الأرض>>. يوافقه سهيل في ذلك ويضيف: <<تعودنا أن يتوجه إلينا السياسيون ببرامج وكلمات. وكلها كانت كاذبة وطلعت من ظهر الشعب، يجب أن نحكم على عون من خلال أفعاله لا من خلال ما يصرح به، وربما لن يطول الانتظار>>. سمير المحاسب، أصر على أن يريك آثار القذائف التي مازالت شاهدا على حرب التحرير التي أطلقها عون. لكنه لا يكن أي ضغينة للعائد، يقول: <<فيما كل الذين تلطخت أياديهم بالدماء مازالوا قاعدين على أنفاسنا لمدة خمس عشرة سنة يجب أن يعطى عون فرصة. يعني فرصة كغيره>>. تقاطعه عبير، زميلته في العمل، قائلة: <<لكن أليس من الأفضل أن يرمى بكل هذا الطاقم القديم ويؤتى بممثلين حقيقيين للشعب؟>>. لكن آراء أخرى تبدو أكثر حدة وصراحة. جيهان المجازة في الآداب لا ترى أي مستقبل لهذا البلد مع عون أو بدونه. وتقول: <<لا، بل بدونه أفضل لأنه زادوا الركاب واحد>> وتضيف: <<لكن إن كان أمرا واقعا فليرنا الديموقراطية الأميركية التي أرجعته إلى لبنان إن كانت أفضل من الدبابة السورية أم لا؟>>. تساعدها هادية، التي وجدت مجالا للسمع، تقول: <<هذه الزواريب، التي تتحدث عنها، كثير منها دمره عون. كان يريد أن يحررها منا. انظر إلى هذه اللوحات>>. تشير الشابة إلى لوحات معدنية صغيرة الحجم احتلت مساحة فوق أبواب بعض بيوت المنطقة، يزداد بريق عينيها وهي تضيف: <<هذه لوحات عليها أسماء شهداء. كل لوحة لشهيد أمام بيته. هؤلاء الشهداء ليسوا في تيار الجنرال أو من زلمه. هؤلاء هم الذين صنعوا التحرير الحقيقي من المحتل الحقيقي . فأين عون من هؤلاء الشهداء؟>>. قريبا سيجد الرجل نفسه أمام واقع يجب عليه التفاعل والانفعال معه. سياسة وتيارات وتحالفات انتخابية <<وسمسرجية وسمسار دار>>. يحمل كلاما كثيرا في جعبته. هذا الكلام لم يصدقه أحد في الضاحية وإن كان بعض الذين ادعوا انهم من المتقبلين لعودة الرجل شككوا في مصداقيته، يختصر بعضهم الحديث بمثل لبناني: <<الذي يجرب المُجرب يكون عقله مخرب>> . فشل الذين احتلوا الكراسي طوال مدة إبعاد الجنرال. فشلوا برأي شبان الضاحية التي لم يرجع إليها عون. ظهروا على حقيقتهم في معركة الصدق والكذب وإن كانوا قد كسبوا الوقت والمال.. فهل سيكسب الجنرال؟

Comments