الزعيم الوطني

ما أذكاه وما أتعس سوبر ماريو
برسم الزعيم الوطني
عماد الدين رائف
السفير 02/03/2005
صاحبنا يعرف أهدافه، أو فلنقل، يعرف المطلوب منه. اليوم هو الحدث. هو المعارضة في شخص.
يجد نفسه واقفا أمام طريق يقوده إلى مجهول. طريق سطح ليس كطرقات هذا البلد المحتاجة إلى زفت وأخلاق. يجد نفسه بعيدا عن كل خطر. يتقدم إلى الأمام في لعبة ذات اتجاه واحد. يمشي، يجد قرميدات علقت بلا أعمدة فوق رأسه المليء حتى اليأس بمشاهد الهزائم العربية المتواصلة. لأنه تقدمي اكثر من غيره يجد نفسه مجبرا على التقدم. أو على الأقل يمكنه أن يوهم اللاعبين والمشاهدين في آن انه يتقدم. ينطح القرميدة الأولى فتهتز. ينطح الثانية فتلد أرزة خضراء، يلتهمها ليتضاعف حجمه. يأمل أن يجد أرزات كثيرة ومزارات ومبعوثي دول عظمى. يأمل أن يصير حجمه بحجم الشاشة التي صارت تستقبله بلا انقطاع في هذه الأيام. يحلم أن يطغى على كل ما هو مرئي ومسموع ومعلوم.
سيواجه عقبات كثيرة في طريقه الذي اختاره. لكن لا بأس. فكل أصناف <<الوحوش>> الصغيرة سيتخطاها. سيتخطى تلك التي تمشي نحوه على مهل لتهدده يمكنه أن يقفز عاليا ليطأها بقدميه. لن يحصل على سكور كماريو الأصلي، ولكن لا يهم. تلك الليرات الذهبية المخبأة في القرميدات البنية سيجمعها في طريقه. تلك التي تختفي تحت الأرض في أقبية السياسات الدولية. سيجمع منها ما استطاع. هو يعرف أنها لن تحسب في أعلى الشاشة لتمنحه حياة جديدة كل مرة. فحياة واحدة تكفيه.
لن تضره النباتات المتوحشة الخارجة بأفواهها المفتوحة من فتحات المجاري، فقد تهادن معها فجأة ورفعوا معا كل الأعلام والصور والرايات على اختلاف المشارب جنبا إلى جنب. لن ترهقه مراوغة ضواري البحر والبر المراهنة دائما على عدوه الحقيقي، فقد وجد وقتا لينشئ أرضية مشتركة تجمعه بها، وتنأى به وقت الحاجة عن الخطر من دون أضرار تذكر. سيجد طريقه دائما ويصل في الوقت المناسب له. فهي لعبة هو من يحدد توقيتها.
تأمر قوانينه التي ارتضاها لنفسه أن يسعى لإنقاذ أميرات ثلاث: أميرة الحرية، ثم أميرة الاستقلال، وأخيراً أميرة السيادة. لكن لم العجلة؟ فذلك الماريو الأصلي في لعبة الكومبيوتر أبله. أما هو فيمكنه أن يغير مواقفه متى أراد وأن ينسل من اللعبة، بل وأن يفرض أحكامه على اللاعبين. ولكم فعل ذلك في الماضي. يضحك ملء فمه من بلاهة اللاعبين الذين أدمنوا على منحه ثقتهم. تدغدغه جمالية كونه ذكيا قادرا في كل مرة أن ينقل بندقيته إلى الكتف المناسب للمرحلة. ينسل مبتعدا عن المشهد ليرتاح بعيدا عن ضجيج اللعبة الذي كان يسمى موسيقى وطنية يوم كان وطنيا بالمعنى التقليدي للكلمة.
يمشي. ينطح قرميدة أخرى فتلد أرزة سحرية مضيئة. تزوده النبتة بكرات لهب لا تنقطع. شبيهة بتلك التي كانت معه يوم سيطر على كل الشوارع. يوم أنزل كل الأعلام، حتى علم البلاد ورفع علمه. حتى على الإدارات الرسمية. يوم حمل علمه صغيرا في جيبه ليضعه على الطاولة أمامه في مؤتمرات جمعته بأعدائه المرحليين، الذين هم اليوم حلفاؤه بامتياز.
ترك علمه اليوم ليحمل علم البلاد؟ آه. لكم كانت لذيذة تلك الأيام. لكن، مهلا. لا وقت لديه الآن للذكريات، فالذكريات تسيء إلى سمعته، وتذكر المشاهدين بمواقفه القديمة المتراكمة التي لا يستطيع تبريرها ببساطة. يجب عليه أن يمضي قدما، يمكنه أن يرتاح إن استطاع ليستقبل الوفود، فهو ليس مضطرا لمتابعة مسيرته المتعبة.
ليس مضطرا لذلك. فهو ليس سوبر ماريو. ذلك الماريو المسكين الذي يحاول أن ينقذ أميرته. تلك التي تنام بسلام خلف وحش أسطوري يطلق لهبا من فمه. ماريو يندفع بشدة لكي يسحب البساط من تحت قدمي الوحش فيرمي بنفسه إلى الأميرة التي تخبره دائما إنها ليست بأميرة. إنها نسخة مزيفة عن الحرية والاستقلال والسيادة. يرمي بنفسه بعد أن تقلص حجمه من جديد وخسر قذائفه الملتهبة في تفاصيل صراعه الدامي.
ليس مضطرا لذلك. يمكنه أن يبقى في قصره الأول الذي وصل إليه ويراقب اللعبة واللاعبين. يعرف مسبقا انه لن يستطيع أن يسحب البساط من تحت قدمي أحد. يمكنه أن يطلق سيلا من الشتائم والاتهامات، يمكنه أن يجمع من يريد من محبيه وقت يريد ليسمعهم آخر تنبؤاته الديموقراطية. يمكنه أن يهدد من يراه وحشا ويصفه بما يريد.. ويمكنه كذلك أن يراهن على ديموقراطية الصقور القادمة حتما من وراء المحيط. تلك الصقور الزرقاء الجميلة التي دخلت في اللعبة. صقور تنهش لحما طريا اسمه بقايا عرب. يراهن على الديموقراطية التي حملتها إليه نيوجيرسي يوما فترفع عنها. الله، ما أذكاه وما أتعس سوبر ماريو

Comments