بنلادنيون بيننا

صاروا أتباع <<الشيخ أبي عبد الله>> بعد غزوة نيويورك
عماد الدين رائف
السفير 24/08/2006
على بعد أمتار من مفرق الرحاب باتجاه مخيم شاتيلا، وقف <<أبو براء>> العشريني الأسمر بدشداشته البيضاء القصيرة، من تحتها
يظهر بنطاله ملامسا للحذاء. وقف متسمرا أمام عربة الكتب المستعملة وهو يبحث عن عنوان يفيده في بحث إلزامي مطلوب منه في معهده الشرعي. يقول: <<عمر بكري؟ من هو عمر بكري؟>>. ثم يجيب: <<هو أحد المسلمين، الرجل يقوم بواجبه كمسلم. لا أخفيك انه أخطأ بإدانة أحداث 11 أيلول وغيرها... لكنه أحد المسلمين>>. يتدخل شاب ملتح في الحديث، يبدو انه على معرفة بالصديقين، يقول: <<ما الذي فعلته الدولة؟ يقولون انه بإمكانهم أن يأخذوا الرجل متى أرادوا ثم يخرجونه طليقا؟ أم انهم يطبقون أوامر البريطان؟>>. أما ما الذي يقصده أبو براء بعبارة <<أحد المسلمين>>، فيتولى الإجابة عنه رفيقه الأقصر قامة <<قتادة>>، فيقول: <<ما إن يظهر أي اسم لإسلامي إلى العلن حتى تسارع الأنظمة إلى اتهامه بالإرهاب أو بالخطر على الأمن، أحد المسلمين يعني أن كل واحد منا مطالب بتولي أولياء الله والتبرؤ من أعدائهم، يمكنه أن يكون أبا حفص، المسعري، السري، أبا سياف،...>>. أظهرت للشاب المبتسم جهلي ببعض الأسماء التي ذكر، فبقّ البحصة: <<يعني، كل واحد منا الشيخ أبو عبد الله، ارتحت!؟>>. الشيخ أبو عبد الله هو أسامة بن لادن شخصياً. ويعبر عنه بكنيته بين السلفيين تعظيما له، وإن كان عبيدة يصر على أن التعظيم لله وحده، فيكتفي بزيادة عبارة <<رضي الله عنه>> بعد ذكر <<الشيخ>> أسامة. ...الغزوة عبيدة في الرابعة والعشرين. بائع متجول يطير بدراجته النارية متحاشيا الاصطدام بالمارة، وبعشرات العربات المتناثرة بشكل عشوائي على جانبي الطريق الضيق. يرفع دشداشته إلى ركبتيه ليظهر بنطاله الأبيض، فيما يلصق التيار الهوائي الناتج عن السرعة شعر لحيته الطويل بصدره. يقول: <<حيّاكم الله، يعني إذا واحد لا يعرف الإسلام، لا من باب ولا من طاقة، لمجرد كونه أسمر يحمل شنطة أردوه قتيلا في لندن، فما الذي ننتظره من الغرب؟>>. يبدأ صاحب الدراجة المتهالكة هجومه على الغرب قبل توجيه أي سؤال إليه. يقول: <<أنا بصراحة، هداني الله تعالى بعد أحداث أيلول في أميركا، فرأيت أن الشيخ أبا عبد الله على حق>>. أما عن نوع الحق الذي ذكره، فقال: <<انظر، ألا ترى أن أميركا تشن حربا همجية على كل ما هو مسلم، حتى ولو بالاسم مسلم... أليس من السهل استنتاج أن الشيخ أسامة على حق؟>>. ثم لا ينسى أن يخبرني انه وجد ابنة الحلال وسيتزوج مع بداية رمضان المقبل <<بإذن الله>>. بعد يومين طويلين من حوارات متقطعة مع شبان إسلاميي الانتماء والهيئة، تكدست أوراق كثيرة، لاحظت وأنا أهم بتغيير الأسماء، لما في هذا الموضوع من حساسية مفرطة، لاحظت انه لا لزوم لتغيير الأسماء لأن أحدا من الذين قابلتهم لم يعط اسما حقيقيا. كانت كلها ألقاب وكنى و... أسماء مرتجلة. صفة مشتركة بين الجميع، كلهم تعرفوا إلى <<دينهم>> بعد الحادي عشر من أيلول... ينظرون إلى حادثة برجي مركز التجارة العالمي وكأنها نقطة تحول في حياتهم... <<إنها غزوة نيويورك>>. أخواننا في العراق في الظل، تحت السروات الثلاث وجدنا متسعا من الوقت للحديث في انتظار أذان العصر. كان لهيب آب على بعد خطوتين منا، ومن كاسات الشاي الرقيقة في أيدينا يتصاعد بخار. أبو عمرو، شاب طويل كثيف اللحية، يحمل مصحفه بيمناه، وهو يحاول أن يحفظ ثلاثة أجزاء مطلوبة منه لإتمام سنته الدراسية. يقول: <<تصور انك موجود في غرفة مظلمة، تقف وحيدا ويهجم عليك أعداء لا تعرفهم ولا تعرف كم عددهم، فماذا تفعل؟ ألن تدافع عن نفسك؟ على أي حال لا وقت للتفكير عندها ستدافع عن نفسك حتما بأي وسيلة ممكنة...>>، يصمت قليلا ليطلق استنتاجه: <<هذا هو حال إخواننا في العراق>>. ومن العراق إلى الشيشان إلى كشمير إلى الأفغان إلى حدود الصين يتنقل الحديث بين الشبان وكأنه لا يوجد فرق يذكر بين كل تلك الأماكن، يتحدثون متفادين الولوج إلى لب الموضوع. يقول إبراهيم، لم يتجاوز العشرين: <<أنا شخصيا ضد قتل المدنيين، إن كان هناك من مدنيين>>. يردد زميل له العبارة نفسها، العبارة الوحيدة التي أمكن استخراجها من بين الكم الهائل من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي خرجت كالسيل من بين شفتيه المختفيتين وراء شعر لحيته. <<لكن ماذا عن المدنيين في شرم الشيخ ولندن والعراق والسعودية والرباط؟>>. يؤكد حذيفة أن كثيرا من العمليات <<تلصق بالإسلاميين ولكنهم منها براء، انه تجنٍ عليهم كيف لك أن تعرف ذلك؟ السلاح والأنظمة والاتصالات كلها بيد الغرب؟ أنت تردد كلام أميركا من حيث لا تدري>>. يقضي معظمهم وقتا طويلا من الليل امام شاشات الكومبيوتر يتصفحون المواقع <<الجهادية>> التي تحمل أخبار القاعدة وبن لادن والدكتور أيمن الظواهري وأحداث العراق الساخنة. <<يلاحظ المتصفح لهذه المواقع، وبلا مقدمات، أن الأخبار التي تحملها الصفحات لا تشبه تلك التي نستمع إليها في نشرات الجزيرة والعربية والسي إن إن>>. يحاول حذيفة أن يتوسع في شرح وجهة نظره، لكن <<إن اعتبرت أن كل المحطات الأرضية والفضائية تابعة للغرب، ألا يجب أن نبحث عن مصدر محايد للمعلومات، بخاصة ان هذه المواقع تحمل أخبار ذبح الأجانب وقطع الرقاب وما شابه>>. ينظر الشبان نظرة طويلة إلى بعضهم البعض ويبتسمون. <<إنسَ>>. يقول إبراهيم، وكأنه فقد الأمل: <<قالْ محايد قالْ! ما الذي تعنيه بالمصدر المحايد للمعلومات؟ أين تجده وقد قسم العالم إلى فسطاطين وصرح بوش أن كل من ليس معه فهو ضده؟>>. كم هو صعب تعريف ما هو المحايد بالنسبة إليهم. ما هو المحايد؟ هم يسيرون في الطرقات قرب المساجد فلا يجدون إلا النظرات <<المستهزئة أو الحاقدة، ألا تدعون أنتم المتبعون للغرب أنه ليس هنالك من قيمة لنوع اللباس أو الشكل أو اللون، فلم هذا البغض الظاهر ولم يبادركم أحد بسوء؟>>، ترتفع نبرة أسامة الخطابية، يضعني من حيث لا يدري في المعسكر الموالي للغرب، فأصمت منتظرا ردة فعل من هنا أو من هناك. يضع كل الآخرين في خانة الغرب. يبدو الطريق وقد صار مسدودا. يقتبس أسامة حديثا نبويا: <<نحن يا أخي في زمن القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار>>. شبان بنلادنيون بيننا، يقضون أوقاتهم بين العمل والصلاة وقراءة القرآن وتصفح مواقع الإنترنت <<الزرقاوية>>. قد لا يشكلون خطرا على أحد، حتى أن <<القطة تأكل عشاء>> بعضهم. قد يشكلون خطرا إن تم تجاهلهم ووصفهم ب<<الجهل والإرهاب والعنف الشديد>> كما هي ديباجة <<رامسفيلد وأربابه>> الذين يضعون الزرقاوي والجهاد وحماس وحزب الله وغيرهم في <<سلة واحدة>>، في فترة حرجة من تاريخ لبناننا، وكل فتراته حرجة <<والحمد لله>>.

Comments