مثل القبر يا شيخ

عماد الدين رائف
السفير 05/01/2005
أمسك سعيد بسكينه <<الست طقات>> بإبهامه وسبابته المطوية بقوة وهو يهم برميها، فطارت وانغرست بقوة في الأرض الرطبة. صار من حقه اقتطاع جزء من أرض حازم الذي بدا عليه الحزن لأن ما حدث سيضطره للوقوف على رجل واحدة حين يأتي دوره. شكّة. هذا اسم اللعبة التي تجتمع الشلة في أيام الطفر لممارستها في البقعة اليتيمة من الأرض أمام بيت حازم. كان يوجد ثلاث سروات قررت أم حازم أن تقتلعها، فصار عندنا مساحة للعب الشكة. <<عليك أن ترسم دائرة كبيرة وتقسمها على عدد اللاعبين، وكلما استطاع الخصم أن يقتطع جزءا من أرضك وضمه لأرضه توجب عليك أن تقف في أرضك لرمي السكين>> يوضح علي الذي يقف على مقربة من رفيقيه بعدما خسر أرضه. <<شي بيشبه الحرب>> يضيف سعيد وهو يقتطع أرض حازم بلذة ظاهرة. ثلاثة من الشبان لم يجدوا رابعهم للعبة ورق بعد، سيطرت عليهم الألعاب الإلكترونية والانترنت لسنوات كان لديهم في جيوبهم ما ينفقون فيها. <<درنا ورا البنات مدة بس يا أخي نادر مش قادر>> يضحك سعيد من كل قلبه وهو يخبر عن إحدى مغامراتهم الفاشلة. <<يعني لوين بدك تروح. أما الحيّ أما المنارة. وصار مشوار المنارة يكلّف>> ويشير إلى جيوبه الخالية من كل أنواع الورق. أما الآن وقد عجزت أم حازم عن بناء الدكان مكان السروات <<فالأرض روعة>>. في طرف الشارع المقابل <<صادرت>> البلدية قطعة الأرض الصغيرة الوحيدة المتبقية و<<قررت أن تحافظ على البيئة. سيجتها. زرعتها حشيشا، وأتت بشجرة ما معروف شو هيي وزرعتها>>، يشير علي إلى إنجاز البلدية ويبدي غضبا مصطنعا. <<ولم تنس البلدية أن تأتي ببريجكتور أخضر، لكي تبدو الشجرة خضراء لما بتجي الكهربا>>. بُورة، عودِه، حاكوره، جلّ، أسماء كانت لها مسميات في الضاحية. وكانت تفيد معنى واحدا بالنسبة للصغار والشبان هناك: مكان للعب. مكان للراحة والسهرات. مكان للشكة والصفة والجورة واللمة والحرقوص والغميضة واللقيطة والحبل، بل لألعاب مستوردة وأكثر تطورا. اختفت هذه الأماكن حاملة معها عشرات، بل مئات، من الأسماء الأخرى لعادات ولألعاب فردية وجماعية. ضاعت هذه الأسماء ومحيت من قاموسنا إلى الأبد. <<هل رأيت الضاحية من الجو؟>> يسأل حازم ويكمل: <<تبدو ككتلة إسمنتية واحدة. مثل القبر يا شيخ>>.

Comments