تحية إلى العمال

إلى آلهة مخضبين بعرقهم... تحية

عماد الدين رائف

نشرة عين الشباب، تصدر عن اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني، العدد صفر، مايو/ أيار 2007



"لو لم يمتِ الناس من أجل المسيح، من أجل الربَ، لما كان ثمة مسيح أبداً!". حقيقة بسيطة واضحة تمتمت بها "الأم" في رواية ماكسيم غوركي، وهي تعلم علم اليقين أن ابنها، وحيدها، "بافل" يقود العمال المعدمين الغارقين في التعب، في عيدهم، تحت لوائه الثوري نحو غد أفضل، مهما كان بعيداً هذا الغد... ويقود نفسه نحو السجن الذي يضم بشكل أو بآخر، كل المنادين بالحقوق. حقيقة بسيطة واضحة تصلح للزمان والمكان والأشخاص... حتى في وطن يُحكم بنظام إقطاعي- مزارعي يسمى بالديمقراطية التوافقية. يفترض بالعمل أن يكون نشاط الإنسان النافع لإنتاج الخيرات المادية والخدمات، لكن وطناً تتناهشه ذئاب الطائفية المرتهنة للخارج دائماً، يحوّل جهود أبنائه العمال إلى "لا شيء". لتجمعهم البطالة والفقر والهجرة النفسية قبل المادية. وطن يتحول فجأة، وبدون سابق إنذار، إلى ثمانية عشر وطناً، إلى مزارع متناحرة لا تؤمن الحد الأدنى من الحياة الكريمة للسواد الأعظم من أبنائه، ليتحكم فيه الخوف بالنفوس... خوف من الآخر المساوي، ويحاول الساسة المتحكمين بالرقاب تجذير الخوف واستغلاله إلى الحد الأقصى، ليثبتوا أحقيتهم في التحكم بهذه الطائفية أو تلك، بعيداً عن أي اعتبارات أخلاقية، قد يتغنون بها بين الحين والآخر.



لم يتحدِ العمال في لبنان! ولا يمكنهم أن يتحدوا ما داموا يسلمون رقابهم ومصائر عيالهم إلى زعماء تمت تجربتهم في حرب أهلية سابقة ما زالت آثارها مستمرة إلى اليوم. على الرغم من كل مساوىء تلك التجربة المرّة، إلا أنها أثبتت أمرين بالغي الأهمية. الأول، أن الأيادي القذرة التي سفكت دماء الأبرياء، وحرقت البيوت الأزقة، وشردت وخطفت وباعت الأرواح على الحواجز المذهبية والطائفية، لن تتورع أن تفعل ذلك كله مجدداً في أي لحظة. بل بشكل متطور مدعوم بتكنولوجيات مستوردة. ستفعله مجدداً في أي لحظة، حفاظاً على مكتسباتها، ولن تسمح للظروف أن تؤثر على مصالحها، بل أن الأبرياء أنفسهم سيشكلون وقود أي حرب أهلية قادمة محتملة. أما الأمر الثاني، فهو أن العمال ديناً واحداً، رغم خضوعهم لتلك الأيادي القذرة كل في قوقعته. دين عِملته الجوع والقهر والفقر، والعرق. أو كما ترجمه نجم على لسان عامل: "أغرق في أنهار العرق طول النهار... وألم همي في المسا وأرقد عليه".

إليهم، إلى عمال يصنعون غدنا ... إلى قوة جبارة ما زالت تتكل على الصدفة لتنهض... إلى آلهة مخضبين بعرقهم اليومي، في عيدهم، تحية.

Comments