شتامون

تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بكمية هائلة من الشتائم بين بعض جهلة السنة والشيعة. «صفحات» و«مجموعات» تتكاثر كالفطر، تحوي شتائم مبتكرة، ما أنزال الله بها من سلطان، يستولدها السفهاء ناعتين الفريق الآخر بأقذع الألفاظ، معتبرين أنهم بذلك حققوا نصراً ما، في نصرة مذهبهم المفدّى. 
استنفد الأشاوس مخزون الآباء، من الزنار وما تحته، فاستوردوا من لغات أخرى ما طالته إبداعاتهم ومخيلاتهم، مما يصلح ولا يصلح من ألفاظ. هو حقل لغوي زاهر، يقضي آلاف الشباب ساعاتهم في تنميته، فيتضخم على حساب لغة مستواها العلمي في تراجع مستمر.
شباب يحولون الوقت إلى مساحات حرّة للسباب، تقف فيها على ثمار أفكار مريضة ما كانت لتخطر على بال. مساحات جدّ حرة، موبوءة، تطفو على سطحها الأقذار. 
تتنوع فيها اللهجات، من اللبنانية الشامية بلكناتها المختلفة وصراعاتها المريرة، إلى المصرية التي تضيف بهاراتها الساخرة اللاذعة، إلى الخليجية الثقيلة، فالعراقية الغارقة في لطمها الدائم، ذي المسحة الحزينة. نسخة ممسوخة عن أسواق عرب الجاهلية، لا يرحمنا منها إلا «البلوك» و«الديليت».
في حقل الشتائم المتاح للجميع، يتساوى الجاهل والمتعلم، حيث كل شيء مباح. وتصلح حفلة الجنون اليومية، وعلى مدار الساعة، لبحث لغوي استقصائي، يُحدد بنتيجته الأطلس اللهجي للشتائم، وربما أطلس آخر لاضمحلال الأخلاق عند «خير أمة أخرجت للناس».
في العلوم الاجتماعية، الدين ليس نصاً جامداً محشوراً في كتب على رفوف علاها الغبار، بل هو مجموع أفعال أتباعه وتصرفاتهم. فطوبى لكم أيها الشتامون.. هل من عاقل يزيل بعضاً من أقذاركم عن «لغة أهل الجنة»؟

Comments