عتمة

يمرّ لبنان في أسوأ أزمات الكهرباء. أزمة مزمنة تتفاقم. مواطنون يعيشون في العتمة. نصيب الأحياء الفقيرة من التقنين العشوائي يكاد يقضم الليل الرمضاني كلّه. تزداد الرطوبة. يزداد الاحتقان. أناس يقضون نهاراتهم في عين الشمس، ولياليهم في لهب الحرّ.
كثيرون باتوا لا يقوون على دفع بدل اشتراك «الخمسة أمبير»، وإن وُجد لا يكف لرفع المياه إلى الطبقات العليا.. لا ماء، لا ضوء، لا هواء.
تجتاح المشاكل الأزقة. عراك هنا، صياح هناك.. هل يساهم ذلك، بشكل ما، في تفشي فيروس المذهبية؟ البيئة، علمياً، ملائمة جداً، بل مثالية لانتشار الأوبئة: العتمة، والرطوبة، والدفء.
في روايته «أنا أسطورة» (1954)، يصوّر الكاتب الأميركي ريتشارد ماثيسون، مجموعة من المصابين بفيروس اجتاح الأرض، وهم يقفون مشكّلين حلقة في غرفة مظلمة. أطاح الفيروس القوة العاقلة فيهم، وتدنت قدراتهم الفكرية إلى مستواها الأدنى. يهمهم قائد المجموعة فيهمهمون. تعلو الهمهمة شيئاً فشيئاً حتى تغطي على السمع. ثم ينطلقون ليستبيحوا ليل المدينة.
الموبوؤون الذين لا يعيشون إلا في الظلام، أعداء النور، ينقلهم فرانسيس لوارنس إلى الشاشة الكبيرة عبر شريط سينمائي يحمل عنوان الرواية نفسه (2007).
«عبقرية» ماثيسون احتاجت إلى اختلاق البيئة الملائمة لينهش الناس لحوم بعضهم البعض، ليرفضوا الآخر العاقل بينهم. لينقلوا إليه الوباء. ليحولوه إلى وحش.
أما في أزقتنا الفقيرة على امتداد الوطن الصغير فلا حاجة لدينا للاختلاق. لدينا أردأ حكام أُخرجوا للناس. يحظون ببرودة المكيفات، وأضواء المولدات الكهربائية.. ويتعمّدون يومياً إعادة إشعال فتيل الفتنة بتصريحات نارية.
ويغرقون البلاد في عتمة مفتعلة.. عتمة مذهبية.
عماد الدين رائف

Comments