"قنبلة موقوتة"

المسافة قصيرة بين «الرحاب» وسوق صبرا. يمكن أن يقطعها الماشي، نظرياً، بأقل من خمس دقائق. إلا أن الأمر قد يتطلب نحو أربعين دقيقة في الواقع. العوائق كثيرة ومعظمها بشري.
الكثافة السكانية في المكان تفوق المتخيل. هو من الأماكن القليلة حيث يضطر العابر للانتظار واقفاً، خلف عابرين آخرين، يفسحون الطريق لمارة أو عربات أو دراجات نارية. من الأماكن النادرة حيث المتسولون يتسولون بعضهم من بعض.
قوى «أمر واقع» تسيّر «التجارة» على جانبي الطريق ووسطه. يباع كل شيء على عربات وبسطات عشوائية. باعة ثياب وأحذية، صرافون، مكاتب حجوزات سورية. كتب دينية تزاحم أفلاماً إباحية... وما أمكن جمعه، من نفايات العاصمة، ويصلح للبيع. تلاوات لعبد الصمد والعفاسي، وأغان بلغات ولهجات مختلفة تملأ الفضاء. مزبلة تقضم جزءا من مشهد مدافن شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا.
شبان في شورتات بعضلات مفتولة وأوشام، آخرون بلحى طويلة ودشاديش قصيرة. البعض لا يتورع من إظهار قبضة مسدس على خصره. نساء منقبات بالسواد. أطفال يلهون بدولاب شاحنة. نابشو نفايات.
قبل سنوات، قطع مسؤولون عشرات الأمتار في الشارع. أبدوا بعضاً من التعاطف مع الفلسطينيين، ووعدوهم وعوداً فارغة بحقوق مدنية أو إنسانية. الفلسطينيون باتوا أقلية هنا.
هنا. وبين آلاف الوجوه المتعبة لنازحين سوريين، يسهل على المرء أن يلحظ خليطا من الجنسيات والأعراق، يجمع بينها قاسم مشترك واحد: الفقر المدقع. «مملكة للجوع وللأوبئة الجلدية.. وللثورة أيضاً». لكنها لا تثور. هي قنبلة، إن لم تُوظف، قد تكون موقوتة.
عماد الدين رائف

Comments