ألم مستمر

شاءت الصدفة أن أتلقى خبر الضربة الأميركية الأولى لأفغانستان، وأنا في طريق عودتي من بغداد إلى بيروت في تشرين الأول 2001. كنت أبيت ليلتي في فندق دمشقي صغير، قرب سوق الحميدية. اخترت الغرفة ذات التلفاز، ودفعت خمسين ليرة إضافية لقاء تلك الخدمة التي حملت إليّ النبأ - الصدمة. شعرت بألم حاد أعلى المعدة. ألم مستمر. نقمت على أفغان أعانوا الغزاة ضد بلدهم، وحضارتهم، وتراثهم، وتاريخهم.
أعرف ذلك الإحساس جيداً، فقد اختبرته للمرة الأولى في ساحة النبطية في كانون الأول 1983. كنت طفلاً. وكان يكفي أن يبعث ذلك الألم التقاءُ عيني بعيني عميل في عداد الدورية الصهيونية التي اجتاحت الحشود. لم أستطع أن أفهم حينذاك كيف يمكن لشخص أن يكون ضد ناسه وترابه.
بعد نحو سنتين، بعد سقوط كابول، زارني ذلك الألم من جديد، وأنا أشاهد الجندي الأميركي يتجول في بغداد برفقة «عراقيين»، فيما يُنهبُ تراث بلاد الرافدين وثرواتها.
اليوم، تُقرع طبول الحرب حولك يا سيدة العواصم. وتتهافت الضباع لتنهش لحمك. يعاودني ذلك الألم. أرى «سوريين» يدعون الأميركي لضربك. يستمر الألم ولا يزول.
«ديموقراطية» الأميركي المعلبة بغيضة. طعمها مرّ، رائحتها سخام، لونها لون الدم. أنظمتنا الديكتاتورية المريضة بغيضة. طعمها مرّ، رائحتها سخام، لونها لون الدم. أعرف قهر أنظمتنا ومرارته، وأعرف من «حضارة» الأميركي تأثير سياساته الخارجية و«ديموقراطيته» المدمرة علينا.
لا أناصر نظاماً أو معتدياً.. إنما أنتصرُ للمدينة التي أعشق، لتراث وحضارة وتاريخ، لناس وتراب،.. لألم مستمر.
عماد الدين رائف

Comments