"سنفروا بحياتكم"

يترافق اليأس من الساسة والأجهزة الأمنية على تنوّعها، مع هواجس متنقلة عن تحويلنا إلى أشلاء في زواريب وطن الطوائف، ومادة للاستثمار على شفاه أمراء المذاهب، وزعماء الزواريب، المتاجرين بدمائنا.
توصل المشاهد الدموية المتكررة كثيرين من المواطنين، خصوصاً الشباب، إلى التفكير في الهرب.
سنافر صغار لا حول لهم ولا قوة، يحاول شرشبيل الموت أن يخطف أرواحهم مدعوماً بتصريحات السياسيين وأموالهم ووسائلهم الإعلامية. رهاب الأماكن والسيارات والدراجات في كل مكان، يدفع إلى الهرب.
شباب «بلاد الأرز» و«جنات على مدّ النظر» يائسون أصلاً. ومعظمهم لم يرَ شجرة الأرز عن قرب، ويعيش في مكعبات إسمنتية، زادتها الإجراءات الأمنية الوقائية كآبة وضيقاً.
يئسوا من إمكانية الحصول على «مرقد عنزة» في «أغلى الأوطان»، ولم تفتح أمامهم الحكومات المتعاقبة منذ اتفاق الطائف فرصاً للعمل اللائق. علقوا شهاداتهم الجامعية طويلاً على جدران منازلهم، واستسلم معظمهم لوساطة أمير الطائفة، وأزلام أمراء الحرب الأهلية، ليتحولوا إلى أعداد، مجرد أعداد، عند أي استحقاق غلافه ديموقراطي.
أي مستقبل تعدُ به التفجيرات المتنقلة، والشائعات عن عبوات ناسفة هنا وهناك؟ أي أمل يمكن أن يشحن الشباب به بطاريات نفوس منتهية الصلاحية؟ لا حياة مع فقدان الإحساس بالأمان.
اليوم، وبدلاً من أن يتحول مستقبلهم إلى الوقوف على حاجز تفتيش مرتجل.. وبدلاً من اجترار حرب أهلية لا يزال أمراؤها أحياء يُرزقون جداً، وهم على أهبة الاستعداد لإحيائها من جديد... يرى كثيرون أن الأجدى بهم أن يغتنموا أول تأشيرة سفر يحظون بها.. أن «يسنفروا بحياتهم».
عماد الدين رائف

Comments