آنيا ليوسكا

حسنا فعل الأمن العام اللبناني، في قراره، عدم منح المواطنة البولونية آنيا ليوسكا، تأشيرة دخول إلى لبنان.
ليس كما قال البعض، لأن «عملها» يندرج في إطار الانحطاط الأخلاقي، البعيد عن القيم اللبنانية.. بل لأن آنيا بعدم دخولها أراضينا ستجنب لبنان امتحاناً مرّاً، ليس الآن وقته.
يمكنك أن ترفض آنيا، أن تمقتها وتزدريها، أن تتهمها بأقذع الاتهامات، وأن تنعتها بأبشع الأوصاف. يمكنك ألا تذكر عنها شيئاً في البيت أمام أولادك، أن تطفئ التلفاز أثناء بثّ تقرير عن مهمتها الغريبة في «ماراتون المضاجعة»، وهي تجول في العالم لممارسة الجنس مع مئة ألف رجل. ويمكنك كذلك، أن تجول بين التعليقات «الفايسبوكية»، التي يطلقها شبان وفتيات، أو أن تحولها إلى موضوع سهرة ذكورية تترافق مع هستيريا من الضحك، والتذرع بالأخلاق.
لكن، للأسف، لا يمكنك أن تدّعي أنها غير واضحة، أو صريحة، أو شفافة، سواء في أهدافها أو في آلية «عملها». لا يمكنك أن تدعي أنها مخادعة، أو متسللة، أو وصولية، أو انتهازية، أو مرتشية... وهنا المأساة. 
الوضوح مخيف، وكذلك الصراحة مرعبة، والشفافية تثير الهلع في النفوس.. وهي صفات يفتقر إليها سياسيونا «إلا من خرج منهم بالدليل»، منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، التي «تنذكر ما تنعاد».. بل قد يفتقر إليها أدنى المتدربين على الغوص في مستنقع السياسة. ويفتقر إليها جيل من الطائفيين المتزمتين تربى على «أمجاد بطولات أمراء الحرب».. 
وكيف بالمستنقع أن يعلم الوضوح والصراحة والشفافية؟ وهو مشاد على أرواح شهداء الحرب، وجرحاها، ومعوقيها ومفقوديها.. مئات آلاف الضحايا.. ولم يُحاسب أحد على أفعاله. 
يتلطون خلف جدران من الغموض، والدجل، والضبابية.. ويدّعون الطهارة.

Comments