صلاة جزين

على بعد أمتار من موقف بيروت، في ساحة النجمة، يربض باص أزرق. تصل إليه عبر زقاق خلفي. إن أحسست بهدنة ما بين الطوائف والملل، فاغتنم الفرصة، وجد لك مكاناً فيه. مروحتان كبيرتان تبعدان الحرّ عن عدد قليل من الركاب المنتظرين. ينطلق الباص في موعده، شرقاً. يترك صيدا خلفه، نحو عبرا، وشيئاً فشيئاً يتناقص عدد المباني السكنية، من لبعا إلى «بركة أنان»، إلى روم.. نحو جزين.
الرحلة المسائية الأخيرة للباص نزولاً، يفترض أن تنطلق عند التاسعة إلا ربعاً من جزين. إلا أن كلام السائق لا يعول عليه. قد تكون مضطراً إلى الهرولة مسافة طويلة نحو محطة حرفوش على طريق روم، كي تلتقط الباص من جديد. كن هناك على الموعد، وإلا فستفوتك وسيلة النقل الوحيدة. ولا تنس أثناء هرولتك أن تنظر حولك. هي رحلة ساحرة أخرى يكون فيها وادي جزين عن يمينك، بينما يتسلل ضوء القمر بين أشجار الصنوبر المعمّرة عن يسارك.
كثيرون يقصدون الشلال. يقال إنه صنّف كخامس أعلى شلال في العالم. آخرون يقصدون معالم أثرية فينيقية، وأديرة وكنائس تاريخية... إلا أن إحساساً مميزاً يمكن أن يستقطب البعض، يستأهل أن يقصد كذلك. يتسلل إليك شعور غريب بالأمان مع غروب الشمس، وأنت تستند إلى درجات «سيدة المعبور». يأتي ذلك الصوت الملائكي من الوادي ليحل سلاماً على القلب والروح.
يسكن جزين القلق. هناك، كما في بلدات كثيرة ترهقها الهواجس، تقام صلاة لأجل لبنان وناسه.. لعلها تصل إلى الذين يقودوننا إلى المذبحة رغماً عنا.
عماد الدين رائف

Comments