تجار الموت

قبل أن تموت حكايات "شهداء البحر" من أبناء الشمال، الذين قضوا وهم يسعون وراء أمل بإيجاد لقمة العيش في أوستراليا. قبل أن تغرق قصصهم في بحر ملفات البؤس التي يعيشها اللبنانيون في الأطراف وضواحي المدن.. وأن تعلّق وجوه الراحلين في البيوت الفقيرة التي هجروها.. ولم يعودوا.
قبل أن يأتي من يقول إن "هذه هي حال الدنيا"، ويرضى آخرون بـ"قضاء الله وقدره"، وأن يُلام الضحايا على موتهم. قبل أن تنحصر ذكراهم بمن أحبّوهم أو عرفوهم.. وأن تستحضر وجوههم من جديد فجأة إثر مأساة أخرى، مقبلة.
قبل ذلك، وكما في كل مرة، يحاول "المجرمون الحقيقيون" أن يتملصوا من أفعالهم كـ"متسببين رئيسيين في الجرم". أن يلقوا باللائمة على "مجرمين صغار"، لعبوا دور "المباشر" في الجريمة. أن يموّهوا الأسباب الواقعية والظرفية، التي دفعت بعائلات وشباب أن يركبوا الخطر، نحو المجهول. وهم في كل مرة، يتملّصون من جريمتهم، ويصطنعون الحزن في المآتم.. ثم يبحثون عن ضحايا آخرين.
الضحايا المحتملون كل "جسم حي متحرك بالإرادة" يحمل الهوية اللبنانية. يعني نحن.
فإن لم تجدنا نقبّل أعتاب نائب مدّد لنفسه على أرواحنا، "سنمسح الجوخ" في حضرة وزير يسرق ما تبقى من أموال في جيوبنا.. أو سننخرط في حفلة جنون مذهبية ننفذ فيها أوامر أمراء الحروب الذين يشربون من دمائنا.
"لبنان الكبير"، الذي تحوّل على أيدي "تجار الموت" إلى سجن كبير لأبناء الأطراف والأرياف.. يدفع بفقرائه إلى بيع الأرض، وبذل المدخرات، و"التمسك بقشة".. والمخاطرة بالأرواح للهجرة نحو "آخر الدنيا". ونحن كضحايا محتمَلين، نترحم على ضحايانا.. وندعو لـ"المجرمين الحقيقيين" بطول البقاء.. على كراسيهم.
عماد الدين رائف

Comments