مفتاح العودة


"بيني وبين أهلي وناسي رمية حجر". على الضفة الأخرى للنهر تقع فلسطين. تبدو قريبة للغاية. مترامية الأطراف واضحة المعالم على مدى النظر. هي لا تزال في مكانها. "من البحر إلى النهر". ذلك عهدنا بها. كما في تلك الخريطة الطولية، التي تحتل جدار الغرفة، مفصلة أسماء القرى والوهاد والدساكر. أو في تلك الحلية الذهبية المعلقة في سلسلة تلتف حول عنق فتاة. أو في ذيل كوفية مبتكرة، باتت تشبه الشال، وتتماشى مع الزمن. أو في "بورتوكليه" مثقل بمفاتيح تفتح كل شيء، إلا باب العودة.
أما المفتاح الكبير الصدئ، الذي يحتل حيزاً من جدار الغرفة البعيدة شمالاً، على أطراف مخيم للاجئين فلا يزال مكانه، كذلك. يطوي سنة تلو أخرى، يمتد صدؤه إلى الجدار، ويتحدان شيئاً فشيئاً. كان يفترض به أن يفتح باب بيت في إحدى قرى عكا، قبل خمس وستين سنة. أن يتحد مع قفل الباب لا مع جدار.
تكاثر تجار الأحلام والقضايا، وتكاثرت دكاكينهم كالفطر فوق جدران الليالي الطويلة. استهلكوا الهالة والقضية، واستهلكونا. طبعنا الوجوه وألصقناها على جدران المدن. ودفعنا ضرائب الدم، نجتر آمالا كاذبة، ولا نتوب. نرفع أسماء "شهداء" ونتجاهل آخرين.. ونمضي. وتتحول فلسطين ومفاتيحها إلى زينة.
وجاء من يقول إن الزمن تغير، و"القضية" في أماكن أخرى. وضُخَّتِ الأموال، وباتت لكل قبيلة قوافلها. ولكل قافلة بوصلتها. وكثرت السبل وسالت الدماء في كل مكان. 
لكن فلسطين، تلك الكلمة السحرية التي كانت تلهب المشاعر كلما خرجت من بين الشفاه، لا تزال مكانها. قريبة للغاية.. وكذلك المفتاح الملتصق بالحائط ينتظر من يعيد إليه هويته.. كمفتاح.
عماد الدين رائف

Comments