بين انفجارين

لم يعد أبناء المذاهب المتناحرة بحاجة إلى انفجار آخر، لينفجروا في وجوه بعضهم البعض.
تأثيرات انتظار الانفجار علينا أخطر من حدوثه. جرّب معظمنا وضعيات مختلفة تأهباً لسماع صوته. ولا يخرج أحدنا من منزله إلا إذا كان مضطراً، لعمل ملزم، أو لقضاء أمر ملح. بيروت التي تكاد تتحول إلى مدينة للأشباح ليلاً. الرعب بات مسيطراً على شوارع العاصمة نهاراً في حركة المشاة على الأرصفة. في حركة السيارات التي يتوجس سائقوها من سائقي سيارات أخرى. أناس يمضون الوقت في استهلاك مبالغ فيه للهاتف الخلوي، للاطمئنان على الأهل والأولاد. الرعب يتجسد في الانعزال التام عن «الآخر».
لكن، وللأسف، يبدو أن ذلك الجو مطلوب.
ذلك الجو مرحب به على شاشات التلفزة، حيث تتفيه وتسخيف «خطاب» أحد المذاهب بشكل مبتذل. يأتي البرنامج الحواري برجل من السجن، يضع على رأسه خرقة ويرخي لحيته، ويتفوه على الهواء، بعبارات «جرصة».. ثم تطلق عليه الشاشة تسمية «خبير بالجماعات والتنظيمات». وعلى شاشة أخرى يتم تسخيف «خطاب» مذهب آخر. رجل «إعلامي» من الشارع، ألفاظه خليط من عبارات لاذعة مخلوطة بالشتائم. لا يمكن أن يكون ذلك «مهنياً»، أو «عفوياً». والمهزلة مستمرة.
كل ظروف ما قبل الانفجار موجودة، حتى أن الظروف التي تليه لا تحتاج إلى تعميم من وزارة الداخلية.. فحيث يلتقي أبناء المذاهب المشحونون بالحقد يمارسون هواية الانفجار ببعضهم البعض. في الشارع، في حرم الجامعة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
يملأون الوقت الضائع بانفجاراتهم بين انفجارين. ويعدوننا بانفجارات أخرى.
عماد الدين رائف

Comments