سيدة الأمل.. تنتظر

لا ضوء في الأفق سوى نور سيدة المنطرة. يأتي هادئاً.
يحلّ الليل. يزنّر القلقُ الطرق. من ساحة النجمة في صيدا إلى المدينة الصناعية، إلى الزهراني، تختفي التاكسيات والباصات والفانات. ويغدو مفرق مغدوشة واحة صغيرة تنبض ببعض الحياة على استحياء. بقعة تحتلها ملحمتان ومطعم، وكيوسك لبيع السجائر والقهوة، ومحل يعرض ألعاباً ميلادية. ولا شيء آخر.
وكأن القلق قدرٌ يأتي مع الليل البارد. قلة من العابرين يعرّجون على تلك المحال. آخرون يسرعون في الاتجاهين ولا يتوقفون. سائق أجرة يمرّ كالطير، يتفرس في الوجوه القليلة التي تأمل بالوصول إلى دفء البيوت. يتوجس من أن يقل راكباً معه.. يعتبرها مغامرة غير محسوبة العواقب. عائلة نازحة تلتحف لوحة إعلانية منتظرة الفجر.. أما هي فتقف فوق تلتها، تشدّ الأنظار إليها.
السيدة تنتظر ابنها في ليلة الميلاد. كما في كل الليالي. وتمنح المنتظرين الأمل بأن الليل لن يطول.. بأن القلق مرحلة تنتهي والهواجس عابرة، وأن الفجر آت. آلاف الأمهات، على مساحة الوطن الصغير، ينتظرن أبناءهن مثلها. لا حيلة لديهن سوى الانتظار.. وما تبقى لديهن من أمل.
ينتظرن العيد الحقيقي من عام إلى عام. يسكنهن القلق على مصائرهم. شبان التهمهم وحش الغربة. سدّت في وجوههم السبل، فارتكبوا الرحيل. آخرون قادتهم أرزاقهم إلى خارج الحدود، واختفوا أو خطفوا.. وغيرهم التحقوا بالمطحنة السورية.. ولم يعودوا.
ومن عام إلى عام تتزايد أعداد الأمهات المنتظرات.. وتتقلص مساحة الأمل.
فمتى يحلّ السلام على قلوبهن، ليتشاركن مع سيدة المنطرة تكحيل العيون برؤية الأحبة؟
عماد الدين رائف

Comments