صفا قصّاب

عصر السبت الماضي، عادت روح صفا قصّاب إلى ناديه، لتظلل رفاقه الصيادين المحتشدين تحت سقف «التضامن صور»، الذي شهد على نضالاتهم الطويلة معاً.
بوجوههم التي تقيمُ فيها سُمرة الشمس، وملح رزق البحر، وخشب المراكب. بابتساماتهم الصادقة المشوبة بالأسى. ببريق عيونهم عند لفظ اسمه. بأكفٍّ نحتها الصخر وخرمتها شِبَاك الصيد. بتصفيقهم الحاد له ولحقوقهم المهدورة، تقاطروا من حارات المدينة القديمة وأزقتها، واستقبلوه مُكرّماً.
لصفا قصاب قوارب خاض على متنها عباب بحر الحياة.
قارب، قاوم فيه الإقطاع وحلف بغداد «فطرياً»، وانتصر للقضية الفلسطينية منذ البدايات، محدداً عدوّ الأمة. فكان نصيب مركبه ومراكب رفاقه أن استهدفها كومدنوس إسرائيلي في الميناء سنة 1973.
قارب آخر، نقابي. قاوم فيه احتكار «شركة» أتت لتبتلع البحر والأرزاق سنة 1976. فكان، مع رفاقه صلباً في مقدمة المتظاهرين، سعياً للحفاظ على ما تبقى من عيش كريم.
قارب ثالث، قُدّر لي، أن أكون شاهداً على بعض حكاياته. هرَّب صفا فيه سلاح المقاومة من الصرفند إلى صور. آوى المقاومين في بيته بين عملية وأخرى. فاحتفظت جدران «حارة المصاروي» بوجوههم التي لم تُعرف إلا حين استشهادهم، وبذكرياتهم المحفورة في وعينا.
قاربه الأخير، أحيى فيه مع عائلته بقعة ميتة من شاطئ المدينة، حوّلها إلى مقهى يشبه الجنة، يستضيف الرفاق والأصدقاء والأحبة. مئات اللبنانيين من مختلف المناطق يعرفونها، ويقصدونها. فسمّيت باسمه.
هي حكاية العروبي المتواضع الكتوم. حكاية القوارب التي تتمايل مع الموج، ويقف فوق نواصيها صياد أسمر ثابت القدمين والجنان، فيعود بالخير إلى أهله ومدينته.
تحية إلى روح صفا قصاب.
عماد الدين رائف

Comments