عملة نادرة

سارة عشرينية، تدرس وتعمل. وربما لا تعرف بمقولة «العمل قيمة بذاته».
تقف خلف كاميرا الفيديو، تلف حول عنقها حزام كاميرا فوتوغرافية. تدور الأحداث من حولها في حفلة موسيقية داخل مطعم.
تتحرك في المساحة الضئيلة الممنوحة لها، بين سيبة الكاميرا وعمود. عينها على شاشة، ويدها على زناد. المساحة بالكاد تكفيها. لكنها تجيد استخدامها. على الأرض كوب من الشاي الساخن، تلتقطه بين الحين والحين لتقاوم زكاماً طارئاً، ليس وقته. وتحت السيبة حقيبة صغيرة فيها ما قد تحتاج إليه. ولها عالمها المليء بالنشاط.
حولها تتحرك الصالة كلها في تفاعل مع الموسيقى. روّاد المطعم والنّدل. الأطباق والكؤوس. الفرقة الموسيقية والمغنون. أما هي ففي هدوئها، تلامس المحيط الصاخب. تختلس لحظة مناسبة لتدوّن في ذاكرة الكاميرا الرقمية لقطة... وراء أخرى. تحرص على أن بؤرة كاميرا الفيديو تخزّن المشهد. تطمئن. تستسلم بحواسها لنغمة ساحرة، أو أغنية راقصة.
قلة مثل سارة، ربما لا يعدون عشرات في غمرة فوضى الدجل. من رأس الدولة إلى أصغر موظف أو مياوم فيها... من غابة القطاع الخاص إلى ذئاب المهن الحرة، وإبداعيي الجمعيات «غير الربحية». الهمّ الأساس عندهم الربح السريع، لا أكثر. وقد بات ذلك ثقافة عامة. أما أداء المهام الوظيفية المتزايدة في مختلف القطاعات، فيُجابه عادة بالتملص والكذب، ثم بالتبرير، وإن لم ينفع فبالتزلف.
سارة وأمثالها، على ندرتهم... أداؤهم عفوي، يسعون إلى أفضل ما يمكنهم إنتاجه، يؤمنون بأن «العمل قيمة بذاته»، حتى لو لم تكن لهم تجارب في مجتمعات لا تقوم إلا على العمل.
وقد باتوا عملة نادرة.
عماد الدين رائف

Comments