"أربع خطوات"

لحظة الانفجار، كان سائق الأجرة المتذمر قد تجاوز الباب الرئيس للسفارة الكويتية، باتجاه مستديرتها. عن يميني عائلات نازحة وأفراد يفترشون الأرض أو يستندون إلى الجدار الإسمنتي. أتى الدويُّ مرعباً، لتجتاحني موجته. شعرت بأن السيارة ارتفعت عن الأرض، ثم حلّ ذلك الشعور المزعج. كأن أحداً يمسك بي أسفل البطن ويشد إلى تحت. كأنني أسقط من علو شاهق.
تنتفض الأطراف تلقائياً. تتمرد اليدان والرجلان على أوامر دماغ مشتت. السائق كأنه تجمد. أفتحُ باب السيارة، أمشي إلى الصوت. إلى جانبي نساء يهرولن، إحداهن تنتحب. صوتها يخترق طبلة الأذن ويستقر داخلها. يظهر اللهب والدخان، وفوضى عارمة من الرجال والشبان، وهم يحاولون فعل شيء. قليلون ركضوا بعكس اتجاه المصيبة.
قبل الانفجار، ومع وصولنا إلى "الرحاب"، أراد السائق أن ينزلني قرب "المستشارية الإيرانية"، ليتوجه إلى "الأوزاعي"، رفضت. أوضحتُ له أني أريد، كعادتي، أن أقف في نزلة السلطان إبراهيم، كي أركب سيارة أخرى نحو العمل. بدأ يتأفف. لكن ما باليد حيلة.
فكّرت في أني رفضت طلب حبيبتي بملاقاتي عند موقف فانات الجنوب قرب السفارة. كانت تصرّ عليّ منذ أيام أن ألاقيها هناك في مثل هذا الوقت. أن تصل بالفان ثم نتوجه معاً لعيادة والدتي في "قلب يسوع". خفتُ أن أتأخر عن الاجتماع الصباحي في الجريدة. اجتاحتني نُتفُ أفكارٍ عن زواريب الحياة. ثم اختفت، ليبرز وجه ابنتي، التي قبلتها وهي نائمة. كنت وصلت إلى البيت متأخراً فلم ترني، وخرجَتْ قبلي لتلحق بباص المدرسة. ستعاتبني.
بعد الانفجار، استقرت بي قدماي في فيء لوحة إعلانية قرب موقف الفانات. أنظرُ إلى شاشة الهاتف. ربما مرَّتْ عشر دقائق أو أكثر وأنا على تلك الحال. حولي هرج ومرج. رجال بأجهزة ولحى يحاولون فعل شيء. يدورون في المكان. آخرون يقطعون السير. والجميع يصرخون. امرأة تستند إلى باب سيارة متوقفة تبكي. أبٌ يركض بطفلته.
تغيب الضوضاء شيئاً فشيئاً. يغتسل جسمي من تحت الثياب بعرق بارد. يتسلل لحن أغنية قديمة إلى الذهن، وتملأ العيون المغمضة صورة الحبيبة. وتأتي كلمات ألكسي سوركوف واضحة متلازمة مع الموسيقى "أريدكِ أن تسمعي كيف يعاني صوتي الحيّ. أنت بعيدة جداً. تفصلنا المسافات. ليس من السهل الوصول إليك... لكن، بيني وبين الموت أربع خطوات".
عماد الدين رائف

Comments