علي الوردي

خمسة عشر كتاباً وعشرات البحوث ومئات المحاضرات، التي تلامس المشكلات الحقيقية لواقع المجتمع العراقي، وحوله مجتمعاتنا، كانت نتيجة مسيرة الباحث الدكتور علي الوردي.
الوردي الذي غادر دنيانا قبل نحو عقدين من الزمن، وحاربه "حماة المجتمع" لأكثر من نصف قرن، "تستضيفه" بيروت، في ندوة دولية بعنوان "علم الاجتماع في العراق: احتفال بالذكرى المئوية لعلي الوردي".
فهم الوردي المعضلات المجتمعية بعمق، سبر أغوارها، وحللها متسلحاً بالعلم، وكتب عنها بصدق، لا يمكن تخطيه إلى أي بحث "اجتماعي" آخر، على ندرة البحوث الاجتماعية الشبيهة لدينا. استقرأ الباحث انفجار الأوضاع، مستنداً إلى جذور العصبيات التي تتحكم بشخصية الفرد. ذلك الواقع، الذي تمتد جذوره إلى العُرف والعادة، وطائفية الطائفة، وانغلاق العشيرة، والتحزب للتحزب. والتي لا تمكن إزالتها من النفوس بتشريع أو اتفاق أو كبسة زر. وفي المقلب الآخر، لحظ كيف يتكفل الاستبداد بإعادة إنتاج الرواسب، اجتماعية وثقافية، لترسيخها في الأجيال.
برّز الوردي الانفصام الذي تعيشه مجتمعاتنا دينياً، ولغوياً، وسلوكياً... عرّى رجال الدين ونفاقهم بكلماته البسيطة، فكان "مثل السمك مأكول مذموم"، نقرُّ بصحة أفكاره، لكن "الإيحاء الاجتماعي" و"القوقعة" يتحكمان بتصرفاتنا.. أليس ذلك بعض ما أسماه بـ"مهزلة العقل البشري"؟
لكن الورديّ اسمٌ يمكن تجاهله بسهولة في بلادنا، حيث تنتشر الحركات الأصولية، والميليشيات الطائفية التي تنغرس قسراً في جسم الدولة، والعصبيات المذهبية التي يُعد القتل على الهوية أعظم إنجازاتها.
يمكن تجاهل علم الاجتماع برمته حيثُ تزيّنُ صور المستوزرين أعمدة كهرباء، لا كهرباء فيها.
عماد الدين رائف

Comments