عنف طبيعي

نحتاج إلى عقد اجتماعي جديد. وحتى ذلك اليوم لا نملك إلا الترحُم على روح منال عاصي وأخواتها، اللواتي سبقنها إلى المدافن. كثيرات لم يحظين بالإضاءة على قصصهن.. قتلناهن جميعنا.. بعنفنا.
قبل استباق التحقيقات، المشروطة بصحة الرواية، التي بُنيت عليها الأخبار والتقارير، لا يختلف اثنان على أن ما حصل مع منال جريمة. جريمة بشعة لا تقل بشاعة عن الجنون الذي تتميز به يومياتنا، في ما تبقى من جسم الدولة.
منال، صبّر الله أهلها وأحبتها، أم وزوجة أخرى، تقضي خلف الجدران وتخرج إلى مثواها الأخير. تخلو ورقة نعوتها، من اسم زوجها المتهم بقتلها. ذلك، ربما، تعبير عن غضب عائلتها التي خرجت بجثمانها المرفوع على الأكف إلى مدافن الشهداء.
مجتمعنا الذي يشرّع للقوي أن يأكل الضعيف، لا يؤمن إلا بالعنف. كن أكثر عنفاً تحظَ بهالة الهيبة والاحترام. والطريقة التي تم تناول الجريمة والجرائم المماثلة عبرها، لا تقل عنفاً عن العنف الذي مورس بحق الضحية نفسها.
التركيز على "المنطقة الشعبية" تركيزاً كبيراً، وكأن المنطقة أمّنت "بيئة حاضنة" للجريمة وجرائم مماثلة. تصنيف المنطقة طبقياً والتغاضي عن جرائم يتم التستر عليها في مناطق غير "شعبية"... التفجع المبالغ فيه على الشاشات والصفحات، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. التصريحات النارية من قبل ممثلي "برامج" و"مشاريع"، وهي تخرج بأحكام مبرمة. كل ذلك يعبّر عن منطق اللامنطق في دولة اللادولة، وعن الحس اللامدني لبعض "المجتمع المدني".
وفي انتظار جريمة مشابهة، نقتل منال مرتين، ثم نهملها نحو ضحية اجتماعية أخرى.. ونمارس عنفنا اليومي ممارسةً طبيعية.
عماد الدين رائف

Comments