أطفال إيليا

وجهها المتسخ الناظر إلى راكب سيارة فاخرة. شعرها الملبد. يدها المرتجفة الممدودة إلى الزجاج. عيناها الجميلتان. نظرتها الحائرة بين الاستجداء والحزن. حركتها المرتبكة بين السيارات المنتظرة ضوءاً أخضر. ثيابها الملتصقة بجسمها النحيل... سمات تنم عن عدم خبرتها. تبدو غير مقنعة ولا تستأهل الـ"خمسمية". وكأنها ولجت من باب عالم التسوّل للتوّ.
حَوْلها أترابُها، خَبِروا المكان – "دوّار إيليا"، في مدينة صيدا. يتهادون بخفة بين السيارات. ينتشرون ما أن يضيء الأحمر في الإشارة. تصعب عليك ملاحظة خريطة تحركاتهم السلسة، إن كنت خلف مقود السيارة. عليك أن تتخذ زاوية من التقاطع. ربما على مقربة من محل الشهيد الناتوت، أو "صيدا مول"، لتشرف على "المصلبيّة" بمسالكها الثمانية.
بين توقف السيارات وتحركها، والخطوات المدروسة لشرطي السير الوحيد، تلحظ حركة سيمفونية لأطفال دوّار إيليا. ظهور مفاجئ لنحو عشرين طفلاً من خلف الرصيف، أو ظل شجيرة. انتشار سريع هادئ، انتقاء محترف للهدف، مسحٌ ظاهري لزجاج النافذة أو المرآة، نظرة "متعوب عليها" تثير العطف.. والنتيجة، ينزل السائق أو الراكب الزجاج الكهربائي.
يرسم الأطفال بحركتهم لوحة تشكيلية لا تتقاطع فيها الخطوط. وما إن يحصل واحدهم على المال، حتى يطير إلى سيارة أخرى، يكون قد حددها سلفاً. وتتحول الإشارة إلى الأخضر، فينضبّ الطفل إلى مكانه. والأخضر هنا، يعني الأحمر هناك.. لترتسم اللوحة عينها في الجهة المقابلة من الشارع.
علاقة جدلية بين طفل وشرطي وعابر سبيل، ووزارات في غيبوبة. تواطؤ رباعي الأبعاد، على الأقل، يضمن أن تتحول ذات العينين الجميلتين، خلال أسبوع، إلى متسوّلة محترفة بين "أطفال إيليا".
عماد الدين رائف

Comments