يحملون هموم الناس..

أربعون عاماً من العمل اليومي الدؤوب والمتواصل، حمل خلالها صبايا وشبان من خارج خريطة «متصرفية جبل لبنان» وداخلها، هموم الناس... ضمّوا إلى الوطن ـ «لبنان الكبير» ـ آلام أطرافه، وسكبوها على صفحات جريدتهم. كانوا سفراء الأطراف إلى «السفير»، التي حملتهم وما كتبوا إلى العالم العربي، وحملت العالم العربي إليهم.
«مراسلون» و«متعاونون»، تطوعوا من البعيد ليرسموا لوحة جرح الحرمان. رضوا بالقليل وعملوا بصمت. من الهرمل إلى بعلبك والسلسلة الشرقية، من قرى البقاع الأوسط إلى الغربي، من عكار إلى طرابلس، والضنية. من صيدا معروف سعد إلى صور محمد الزيات، من جبل عامل المنتفض على الإقطاع وبقاياه، إلى النبطية المخضبة بالعز. وقرى الشريط إلى حاصبيا ووادي التيم. فكانوا قمر مشغرة، وقوس قزح فوق حرم جوبيتير، ورمال صور الذهبية، وتلألؤ خيوط الفجر على صفحة الليطاني.. و«فصائل النمل التي تهرّب السلاح للمقاومة».
غابت أسماؤهم وتغيب، تبدلت مع أكثر من 12700 يوم عمل. عملوا بصمت تحت القصف من اجتياح 1978، إلى 1982، إلى تحرير 1985، إلى تحرير 2000 إلى انتصار 2006، مروراً بالعدوانات المتكررة لآلة التدمير الإسرائيلية... وبحروب الأخوة. عملوا على نقل الصوت... فحفروا صدى كلماتهم في أذهان المزارعين والعمال المياومين والفلاحين المخفيين في قرى لم يصلها الإسفلت أو نور الدولة، كلمات عن الحقوق المعيشية، المدنية، والسياسية، الحق في الحياة والعمل اللائق. الحق باللقمة والمواطنة.
غابت أسماؤهم، حفظها أرشيف أربعين سنة. بعضهم أخذته الحياة إلى المهجر، بعضهم خذله الرمق الأخير، فقضى وبيده القلم، آخرون صارعوا الحياة صمدوا. اليوم، بعد أربعين عاماً، تمدد الجرح من الأطراف إلى داخل حدود «المتصرفية». يكاد يتساوى في الحرمان أهل البلاد، من جبل أكروم والنهر الجنوبي الكبير، إلى بلاد جبيل أعالي البترون، إلى جرود المتن الأعلى والشوف وإقليم الخروب، وصولاً إلى بلاد بشارة... وها هم صامدون يرفدون «صوت الذين لا صوت لهم» بصوت الذين لا صوت لهم.
خارج العاصمة، كانت الإضاءة على هموم الناس حلماً. لكن ذلك الحلم، لم يكن ليراود الحكومات المتعاقبة، سواء قبل الحرب أو خلالها أو بعدها. ولم يكن ليعني، بالضرورة، الناس أنفسهم. فكانوا قد تعودوا، وعلموا أولادهم «فضيلة الرضا»، كونهم «عبيد القضاء»...
اليوم لم يعد رفع الصوت حلماً. صار واقعاً بفضل جهود لأسماء كثيرة كثيرة.. لها التحية.
عماد الدين رائف

Comments