أطفال قانا

تبلغُ مجزرة قانا السنّ القانونية. تطفئُ شمعتها الثامنة عشرة اليوم. نارُ «عناقيد الغضب»، في مركز القوات الدولية العاملة في الجنوب، حصدت في 18 نيسان 1996، أرواح 106 لبنانيين، معظمهم من الأطفال والنساء.. وحمّلت عشرات من لم يستشهدوا جروحاً لا تندمل.
هي مجزرة أخرى وقف فيها المجتمع الدولي شاهد زور. لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة. الأطفال الهاربون من النار إلى مركز «اليونيفيل»، لم يحظوا بأي حماية. تفحمت أجسادهم في مركز القبعات الزرق، وتحت أنظار العالم.. اجتمع أعضاء مجلس الأمن للتصويت على قرار يدين إسرائيل.. لكن الولايات المتحدة أجهضت القرار، كعادتها، باستخدام حق النقض. أطفال قانا حظوا بفيتو أميركي. أحداقهم المفتوحة على الذعر، آذانهم التي صمّها هدير الموت.. حظيت بفيتو أميركي.
اليوم، تبتعد مجزرة قانا عن الذاكرة الجماعية، فقد احتشدت المذابح فوقها. باتت «إحدى المجازر»، في زمن تعدُّدِ الجزارين وتشابههم. تبتعد قانا التي تذكرنا بأن العدوّ واحد، وأن الإسرائيلي لم يفرّق بين عربي وآخر في مذابحه.. لتغدو جزءاً من موزاييك الذبح اليومي في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق.. يخفتُ صوتُها أمام مشاهد القتل الجماعي الطازج.
تنتمي مجزرة قانا إلى زمن واضح المعالم، لم يتمكن أحدٌ من احتكاره، بالرغم من المحاولات. تنتمي إلى زمن مقاومٍ وعدوّ، وبوصلة محددة. لا تنتمي إلى زمن ضبابي، بات الكلُّ فيه متعطشاً للدماء.. وكلٌ يدعي فيه الطهارة، واحتكار الجنة وحورياتها، ويشيطن الآخر، لمجرد أنه آخر.
ليس غريباً أن تمرّ ذكرى مجزرة قانا.. مرور الكرام.
عماد الدين رائف

Comments