"ساحة حرب"

ربما، آن أوان صدور تشريع من مجلس النواب، يقضي بحجز جزء من الموازنة العامة، تقدّمه الحكومة إلى مركز أبحاث عالمي متطور، كي يدرس، بشكل علميّ، حالتنا المستعصية.
فعند كل منعطف، وقبل كل استحقاق تحمل مواقع التواصل الاجتماعي سيلاً متدفقاً من الشتائم المذهبية، ينفض الغبار الثقيل عن جرائم الحرب الأهلية، ويعيد إحياء الذاكرة الجماعية، لمن بقوا في عداد الأحياء. وتتحول الصفحات إلى «ساحة حرب».
قلة من المشاركين في بازار السباب عايشوا الحرب وفظائعها وأهوالها. أما الشباب المنخرط بقوة في الصراع الافتراضي، فهم «على دين ملوكهم»، يبرئون أربابهم ويقدحون أرباب الآخرين. الفعل نفسه، لكنه بنظر هذا الفريق «جريمة لا تغتفر»، و«مجزرة بحق الإنسانية».. وبنظر الآخر «حادثة عرضية»، أو «ضرورة كان لا بد منها»، و«الضرورات تبيح المحظورات».
كل فريق يمكنه أن ينبش سجلات الآخر.. لوائح طويلة مفصلة من جرائم الحرب. جرائم موصوفة ارتكبها أمراء الحرب وأزلامهم. لكنهم خرجوا من الحرب سالمين غانمين، وما زالوا فوق رقاب رعاياهم متربعين. والرعايا ينهشون لحم بعضهم البعض افتراضياً.
ولأن كل فريق لديه مراكز إحصاءاته، واستفتاءاته، وشاشاته، ومنابره، نحتاج إلى عاقل من خارج عصفوريتنا المحلية، ربما من كوكب آخر، يخبرنا أن «كل حرب لبنانية تنتهي بطاولة مفاوضات وحقائب أموال»، وأن «لا أحد يمكنه احتكار طائفة برمتها»، وأن «في زمن الصراعات الجميع يكذب»، وأن «رأي الآخر مجرد رأي، وهو قابل للنقد والدحض».. وأن «الخاسر الوحيد هو من يحمل الأحقاد من منعطف إلى آخر».. و«اللي بيروح بتروح عليه».
عماد الدين رائف

Comments