شهداء الصحافة

مخيفة هي الكلمة.. الكلمة التي تحاول أن تصف الحقيقة كما يراها صحافي.. ولا يعني ذلك بالضرورة أنه يجسد الواقع عبرها.
كـــــلمة تنغمس في المهنية.. ولا تدّعي الموضوعية. تلك الكلمة يكون مصيرها الخنق. أما صاحبها، فمصـــــيره في أحسن الأحوال يكون أكثر سوءاً من مصير كلمته، قــــد يدفع حياته ثمناً لها، إن لم يصنف في خانة الشهــــداء الأحياء.. فيُسلب نعـــمة النطق.
لنا تاريخ طويل مع القمع وكمّ الأفواه، في مجتمع يدعي الحرية.. مجتمع متعدد الرؤوس، تُفصل فيه القوانين وفق أهواء أمراء الطوائف والحروب. ولا عجب أن لكل منهم مزرعته، ولكل مزرعة زبانيتها و«صحافتها» و«صحافييها».. ويمكن للزبانية أن يكونوا في الصفوف الأمامية، أن يرفعوا لواء المدافعة عـــــن «حرية الكلمة والتعبير». بل يمكنهم أن يزايدوا على جهود الصحافيين المهنيين ودمائهم.. ثم يمكنهم أن يسـتثمروا في تلــــك الدمـــــاء لتدعيم جدران مزارعهم.
هو قمع تكاد جريمة جمال باشا، التي نحيي ذكرى شهدائها، تافهة أمامه. تبدو بعيدة أمام تفنن مجرمي فترة الحرب الأهلية وما بعدها في خنق الكلمة. فكأن تلك الجريمة التي مرت عليها 98 سنة، كانت بداية سلسلة لا تنتهي من الجرائم.
لم تُعلّق المشانق للصحافيين وأصحاب الرأي بعد «السفاح»، إلا ان كثيرين منهم أعدموا على أيدي مجرمي الطوائف بدم بارد.. أو واجهوا الرصاص الحي، في محاولات اغتيال، قُدِّر لبعضهم النجاة منها.. أو خطفوا، أو اعتقلوا، أو عذبوا، أو أهــــينوا وأهينت عائـلاتهم.. أو حوصروا في أماكن عملهم.
مخيفة هي الكلمة.. الكلمة التي تستحق الاستشهاد من أجلها.
عماد الدين رائف

Comments