إلغاء انفجار

قبل العام 1982 لم أكن أعرف بالمونديال. كنت أتابع مرغماً مباريات الدوري الألماني بالأسود والأبيض، عبر «القنال سبعة».. إلى أن بدأت الحكاية صيف ذلك العام، في حصار بيروت، مع الألحان الصاخبة لسيمفونية التدمير الإسرائيلية ومضادات الطيران المدافعة عن المدينة.
تعرفت إلى كأس العالم مع مباراة الكويت وفرنسا، وانسحاب الفريق العربي من الملعب لتسجيل الفرنسي هدفاً، اعتبره الكويتي غير صحيح.. نزل الشيخ فهد إلى الملعب، فألغي الهدف. وبالرغم من خسارة الكويت.. أسعدتني الفكرة. فكرة إمكانية إلغاء هدف مُحتسب. كنت أحلم بإمكانية «إلغاء» طائرة «أف 16»، تقذف بحممها علينا.
كنا أطفالاً نتحلق حول التلفزيون الصيني، ويتدلى منه كلبا بطارية. أما الرجال فيدخنون ويلعبون «الأربعتعش»، ويسجلون النتيجة على غلاف «كروز دخان». في الخارج، شبان ببنادق يتوجهون إلى الجبهة، بعضهم يعود، وآخرون تلصق وجوههم على الحيطان. لم أستطع تعلم تسجيل النقاط في «الأربعتعش»، ولا قواعد كرة القدم.
الحكاية التي بدأت، سرعان ما انتهت، حين «أخبرني من لا أكذِّب»، قال: إن الحكّام، و«الفيفا» من زيورخ، والأندية الغربية كلها، تزعبر على المنتخب السوفياتي.. تتآمر عليه لتضمن خسارته. حينذاك، فقدت أي رغبة في متابعة المباريات.. وأبديت اهتماماً بالنظر إلى وجوه شهداء محتملين. وحلمت بإمكانية «إلغاء» استشهادهم.
بالأمس، لم يكن غريباً عليّ رؤية شبان يتابعون إحدى المباريات على شاشة، وأخبار عاجلة عن «انفجار ما بين الشوطين» على أخرى.. بدا لي «عادياً».. أو هروباً «إيجابياً» من واقع مرير، لا يمكن فعل شيء حياله، أو حيال الاستنكارات التي تليه.
كنت أحلم بإمكانية «إلغاء» الانفجار.
عماد الدين رائف

Comments