دم ربيع

مرت السنوات سريعة يا ربيع.. أربع وثلاثون سنة. لكنك ما زلت في السابعة من عمرك، مضرجاً بدمائك تحت الساتر الترابي المزين بعبارة «انتبه قنّاص». اختفيت فجــــأة من مشهد تزامن لقــــاءاتنا الصباحية، ونحن نعبر الطريـــق بسرعة نحــــو الفرن لنقف في الطابور. تحدث عنك الجـــيران لأسبــوع قبل أن يتحول بريء آخر إلى ضحية.
لا أحد يذكرك اليوم. لا أحد يذكر ربطة الخبز الملونة بأحمر دمك.. أنت وآلاف المقتولين برصاص القنص بين البيروتين لستم سوى جزء من زمن بعيد يريدون لنا أن ننساه. يريدون أن نحصره في ذكرى «تنذكر وما تنعاد».
قناصك وقناصون آخرون لم يخضعوا لمحاكمة، ولم يمثلوا أمام ذوي ضحــــاياهم.. عبروا إلى زمــن آخر.. نعموا وينعـــمون بحماية امراء طوائفهم.
أما أنت يا ربيع، فما زلت مرمياً على الأرض أمام ساتر ترابي، تهاوى جزء منه، فكشف جبينك للموت. الدم الطازج على أرغفة الخبز الخارجة لتوها من النار، ما زال يحفر في ذاكرتي كلما أتى حزيران. كم تمنيت لو أنك لم تسبقني إلى الفرن في ذلك الصباح.. لو أننا تسابقنا معاً لمرة أخيرة.
ذهب دمك هدراً يا ربيع، على عكس ما جاء على ورقة طبعت على عجل وألصقت بالغراء على مـــدخل الحي. أجل. أنت مت، ومات آلاف الأبرياء مثلك، وذهبت دماؤهم هدراً.. ولو خيّرت، ربمــــا كنت لتفضل ألا تنجو من تلك الرصــــاصة على أن تسمع قاتلك يتبــــاهى باصطياد الناس، ثم يعبّر عـــن «ندمه» عــــلى «فـــعل طائـــش أجبر على ارتكابه عن جهل».
عماد الدين رائف

Comments