لبنانيان.. ولكن

أن تلتقي بشاب لبناني يماثلك عمراً، لم يعش مرحلة ما بعد اتفاق الطائف في لبنان. ترك «أرض الأجداد» ولم يعد. ذلك مثير للاهتمام. و«الجميل» في ذلك، لا يكمن في كمّ المشاعر التي قد يجود بها أمامك عن «جنات عَ مدّ النظر»، و«شروال جدّك يا جدّي».. بل في كمّ العقد النفسية ـ المجتمعية التي تنوء تحت ثقلها أنت، فيما هو متحرّر منها.
«وطن النجوم»، لا يمكنك أن تحصل فيه على أدنى حقوقك المشروعة إلا عبر تقبيل الأعتاب، ومراضاة الحجّاب، والتزلف إلى السدنة، ورشوة الموظفين. وحيث لا دولة، يطغى منطق العصابات، والإكراميات والاتصالات المسبقة، والواسطة، على أي منطق آخر.. يستفحل العنف اللفظي، والجسدي، في البيت والشارع ومكان العمل، في وسائل النقل الخاصة، المسماة عامة.. يضمحل مفهوم «المواطنة» ويغدو كل «كائن حي متحرك بالإرادة» خفيراً لطائفته ومذهبه وزاروبه.. يعمل «الإنسان ـ المواطن» بالحدّ الأدنى من قدرته، وتسود منظومة التبريرات المستساغة.. فكل فعل، أو لا فعل، يمكن تبريره. و«كله ماشي».
تنظر إلى الأفق المسدود، لا يزال مسدوداً. «المستثمرون» بالأعصاب، يتركون سدة الرئاسة فارغة، يمدّدون لأنفسهم في البرلمان، يوزعون المناصب والمكاسب والمغانم على حواشيهم، يتلاعبون بالكلمات ويبتسمون للكاميرات.. ثم يدّعون أنهم على خصومة سياسية مع بعضهم البعض. ممثلون لا إبداع في أدائهم، دجّنوا المسرح والمشاهدين، ويُعيدون تمثيل المشهد المعلوك نفسه، مرة تلو أخرى.
إن التقيت بشاب لبناني هرب ولم يعُد، فلا تحدّثه عن «هل يا ترى نعود..»، اسمعه حتى النهاية. تنفّس بشكل منتظَم ما استطعت.. وتناول نشرة الأحوال الجوية ومذيعتها.. إن اضطررت.
عماد الدين رائف

Comments