غزة الناس

رأس سنة 2009، تقاطر ناشطون مدنيون من مختلف المناطق إلى صور، حيث عقد «الاتحاد البرلماني العربي» مؤتمراً لبحث الحرب الإسرائيلية على غزة، وسبل دعم الشعب الفلسطيني في وجه عدوان همجي، أسماه العدوّ بـ«الرصاص المصبوب».
ناشطون لبنانيون رفعوا شعارات، هتفوا، وحملوا لافتات. ناشطون مدنيون لا حزب جمعهم ولا طائفة، لا مذهب ولا زعيم.
في اليوم التالي زاد عددهم، جمعهم حسّهم المدني بالمئات. مسيرتهم اخترقت شوارع بيروت، لتحط رحالها أمام سياج السفارة المصرية، تاركة هناك نعوشاً سوداء، كرسالة رمزية تضامنية مع أهل غزة.
كتبوا على لافتتهم «فتح معبر رفح وإنقاذ غزة». إلا أن الحناجر صدحت بـ«غزة الناس غزة الناس.. لا حماس ولا عباس». بالفعل ذلك ما آمن به المتظاهرون، في التعبير عن غضبهم تجاه الانقسام الفلسطيني، والصمت العربي، وبطش العدوّ.
الآن، في اليوم الثامن لعدوان جديد، هناك شيء تغيّر.. بعد «ثورات» أكلت بعضها بعضاً، وجفّت لها الأقلام وبُحّت لها الحناجر، وتدفقت الأموال على أعتاب المتناحرين فيها.. صار الموت يومياً وسهلاً.. صار خبراً عابراً. لم يعد لدينا مكان لغزة. وكأنها حدث غزّي محليّ، ندفع بها وبموت أطفالها إلى الخلف.. خلف المونديال، والمسلسلات الرمضانية، والهواجس الأمنية.
لكن غزة لا تزال مكانها، وناسها هم ناسها. ومعبر رفح لا يزال مقفلاً، و«حماس» نفسها، وعباس كذلك، والعدو عينه، يقتل في «جرفه الصامد»، أطفالاً بعضهم ولد بعد «رصاصه المصبوب».. وانقسامنا الداخلي، العمودي والطائفي، يحافظ على صموده.
إلا أننا تغيّرنا. انكسر شيء أو اهترأ.. فتقلّص هامش المدنية فينا.
عماد الدين رائف

Comments