دمعة لنهر الأولي

«على ضِفّةْ نهرِ الأولي.. بيتِ الحبيبِ الأولِ، وِمْشِيتي وقلبِك دليلك.. رحْ توصلي وما تسألي».. هكذا دعا سامي الصيداوي، أحد روّاد الأغنية اللبنانية، حبيبته إلى جلسة رومنسية على ضفة النهر الذي أحبّ.
وصف الصيداوي في أغنيته طبيعة النهر الخلابة والجلسات المسائية حتى الفجر، وسما بالوصف حتى توحّد مع الأولي: «شطّ النهر كلو أنا.. مطرح ما بتريدي انزلي».
الحرب اللبنانية أخفت صوت سامي، الذي ألّف كلمات أغانيه ولحّنها، وغنى بعضها، إلا أن «حرباً» أخرى، أكثر قسوة، تغتال النهر نفسه.
الأوليّ الذي كان متنفس الجنوبيين، تكالبت عليه أيادي الرأسمال والسياسة والفوضى.
الوحوش حرموا ضفة النهر من استقبال المبتردين بضفته، فحالوا بينهم وبينها بجدار «الكينايات». جدار خنق الصيداويين، وأناساً اعتادوا أن يكون النهر ملاذهم في ليالي الحرّ. يأنسون به عندما لا تزورهم الكهرباء.. ينعشهم حين تجفّ حنفيات بيوتهم. أناس اعتادوا أن يكون الأوليّ شاهداً على احتفالاتهم العائلية، وحاضراً في صورهم وذاكرتهم. فما قيمة ضفة النهر إن لم تكن للناس؟
أما سياسيات الحكومات المتعاقبة منذ انتهاء الحرب، فحوّلت النهر الذي ينبع من الباروك ونيحا، ويجمع في مساره خير نبعي باتر وجرش جزين، إلى جزر مائية صغيرة. أظهر الصيف الحالي خطورة ذلك الاستهتار المتمادي، تحت وطأة موسم جفاف هو الأسوأ في تاريخنا الحديث. فبعدما اختفت المقاهي وروادها، تكاد تختفي المياه. فلا الخطط المائية الإنقاذية حقيقية.. ولا صلوات الاستسقاء نفعت.
والأولي، الذي كان ملاذ الجميع كـ«حبّ النِديْ فوق الزهر.. وعَ رموش عدرا مبللي».. صار يستسقي الدمعة من عيون العابرين.
عماد الدين رائف

Comments