"الميّ مقطوعة"

يتصل بي ابني: «الميّ مقطوعة». الحل في نقلة صهريج، وجهد على السطح كي يصل الخرطوم إلى فم الخزان. وكلما جفّ الخزان ولم تصل «مياه الدولة» نكون على موعد مع نقلة جديدة، وإرشادات عن استخدامها بحرص قدر الإمكان.
نقلة الصهريج غالية لكن .. «مصدر مسؤول جداً» في مصلحة المياه يؤكد أن «المياه تصل بالوتيرة السابقة نفسها إلى الخزانات».. أي أنه «لا توجد مشكلة». لكن المياه مقطوعة.
كيف نصدّق «المسؤول جداً»؟ وما هي محطات دورة الفساد التي تقطعها نقطة المياه من مصدرها إلى الحنفية مروراً بالصهريج، عوض أن تمر في شبكة الدولة إلى الخزان؟ مَن يعرف؟
يتصادف ذلك مع عرض إعلان «وزارة الطاقة»، المموّل أوروبياً. فقد رأت الوزارة أن يوجه طفلان رسالة إلى والديهما، ضمن ما أسمته بـ«الحملة الوطنية لترشيد استهلاك المياه»، مفادها «اتركولنا ميّ». الرسالة تقلل من أهمية ما يمكن أن يقدّمه الأهل من ميراث، وحرص على صحة أولادهم، وتعليمهم، وملبسهم، في مقابل الاقتصاد في استهلاك المياه.
يُفترض بمتلقي الرسالة أن ينفعل ويتفاعل مع الإعلان، وأن يخلّف لديه صدمة إيجابية، فيبادر إلى «ترشيد استهلاك المياه». لكن التفاعل الوحيد مع الإعلان ليس سوى ابتسامة ساخرة تدوم للحظات.
معظم اللبنانيين لا يمكنهم أن يورّثوا أولادهم شيئاً سوى الديون. وكثيرون منهم، لا يمكنهم أن يدخلوا أولادهم إلى «أحسن مدارس» لأن أقساطها فوق الريح، ولا يمكنهم أن يشتروا لأولادهم «أحسن ثياب»، حتى في الأعياد... يبدو إعلان «وزارة كل الطاقات» سطحياً وطبقياً وفي غير وقته.. لماذا لا تنفذ الوزارة إعلاناً عن دورة فساد المياه.. ما دامت مقطوعة؟
عماد الدين رائف

Comments