أبو أسامة

لمحيي الدين حشيشو صورة علقت في ذاكرتي.. النقابيٌّ المناضل ذو الابتسامة. كنت أتخيله في تظاهرة صيادين إلى جانب معروف سعد، كما قيل لي طفلاً. لكن تلك الصورة تغيرت مع سنوات الاحتلال، والتحرير، وجمهورية الطائف.. باتت ضبابية، يطلُّ فيها وجهه، مع رفاق له، من داخل سجن مظلم، أو من مقبرة جماعية.
نذكر المخطوفين والمخفيين قسراً في يومهم العالمي، لكن عائلات وأحبة آلاف منهم يستمر ليلهم الطويل.. ولا يزال الخاطفون طلقاء. وأمراء الحروب المتسببون بالخطف استبدلوا المدافع بربطات عنق، واستغنوا عن حواجز الخطف، وتسليم المحتجزة حرياتهم إلى «الشقيق» و«العدو». ثم خطـــفوا البلاد والعباد. ووضعوا معرفة مصير المخطوفين في خانـة المستحيل.
قبل 32 سنة، كان أبو أسامة في بيته يتصفح كتاباً، حين دهم عناصر الميليشيا الموالية لإسرائيل الحيّ، توجهوا إلى منزل قريب.. عادوا مجدداً. قال الرجل لزوجته نجاة: «الظاهر قاصدينّا». كانت تلك آخر عباراته. ربما كان يعرف أنه لن يعود إلى أفراد عائلته، وحيّه في عبرا، وإلى صيداه التي كانت في قبضة المحتلين وعملائهم. ربما ظن أنه سيكون في عداد الشهداء.. لكنه حمل لقباً أكثر وقعاً: «مخطوف».
هو ليلٌ طويل، يستمر لأكثر من ثلاثة عقود على عائلته وأطفاله.. على زوجته التي كُلُّ مناها أن تحصل على بعض رفاته، إن ثبت موته. أما محاكمة مختطفيه المعروفين.. فقد حوّلها قضاؤنا النزيه إلى هلامية سرمدية. فإلى جانب حرمان عائلته من معرفة مصيره، تُحرم من تحقيق العدالة له.
«العـــدالة الآن.. لمـــحيي الدين حشيشو وسائر المخطوفين».
عماد الدين رائف

Comments