الرقص جلوساً

لا يزيد طول الطريق بين محطة الوقود عند مفترق برج رحال، والمجمع التجاري عند مفترق العباسية، على خمسة آلاف خطوة. يستحسن ألا تقيسها بالأمتار، بل بالأخاديد والحفر والتموجات، والرقع فوق الرقع.
إن صدف أن قصدت مدينة صور في فان، فستختبر معنى الرقص جلوساً.. فالمهارات المطلوبة لتفادي الحفر والرقع تفوق قدرات السائقين على تجنبها. يفضلون الانطلاق بسرعة وبخط شبه مستقيم فوق تلك التضاريس.. أما الركاب فمصيرهم الهزّ والنطّ والخضخضة. وإن لم ترغب بالرقص، فامش. وعد إلى زمن صاحب «الخطط»، حين كانت المسافة بين صور وصيدا سبع ساعات للماشي.
هي جزء من الطريق الرئيسة التي تربط المدينتين، ولأن الأوتوستراد الجنوبي لن يُكتب له في المدى المنظور أن يكتمل، فهي الطريق الوحيدة من قضاء صور وإليه.. ومن «مدينة الحرف والنور» وإليها. يسلكها نوابٌ من الممددين لأنفسهم، ووزراء في حكومة المصلحة، ووجهاء دائمو الابتسام. لكنهم، ربما، لا يشعرون بالطريق من تحتهم.
لا أذكرها معبّدة. «العتب عَ الذاكرة».. ربما كانت كذلك قبل الاجتياح الإسرائيلي، حين كانت أشجار السرو تزنّر بساتين الحمضيات والموز على جانبيها. أما اليوم فيزيّنها قوسا نصر، وعلى الجانبين مشاريع ومحال تجارية، ومؤسسات سياحية، بمئات ملايين الدولارات، ومعارض للسيارات، وبقايا بساتين بأسيجة تفتقر إلى الجمال. وهي لا تتمتع بأي من مقومات «الخط العام».
لو قيست تلك الطريق بالأمتار، فربما سيسهُل على وزارة الأشغال العامة معرفة كمية الإسفلت المطلوبة لتعبيدها.. وربما لتمكنت بلديات المنطقة، من إقامة احتفال مشترك لوزراء يطلقون وعوداً بالتعبيد، وتُنحر تحت أقدامهم الخراف.
عماد الدين رائف

Comments