يا شافي

محزنٌ أن تقارن بين خرابين على الحافة الشمالية لعاصمة الجنوب.
أن تلمس حجم الإهمال اللاحق بمعبد أشمون.. ثم أن تنتهي بك الطريق أمام مشروع «مستشفى الطوارئ المخصص للحروق» في صيدا.
أشمون، لم يكن إلهاً. كان شاباً يهوى الصيد. عشقته عشتروت، لكنه لم يستسلم لها.. جبّ نفسه، ومات. إلا ان العاشقة العنيدة أعادت إحياءه ورفعته إلى مصاف الآلهة، فغدا «الشافي» في الميثالوجيا الفينيقية، حيث «لا شفاء إلا بمياه مقدسة». تلك المياه التي كانت تتدفق إلى أحواض المعبد من الأوليّ، لم تسر إليه منذ زمن بعيد، كما أنها في مسارها الطبيعي تكاد تختفي.
المعبد تشير إليه لوحة صغيرة قرب بوابة حديدية صدئة على باب بستان، يغرق في الأعشاب والإهمال. طريق ترابية تحدّه بلا سور، ولا يُلحظ أثرٌ لجهة رسمية فيه. تناوبت أيدي سارقي وتجار الآثار والحروب الأهلية وعوامل الطبيعة عليه، وغطت النباتات ما تبقى منه.
المستشفى، صرحٌ ضخمٌ مغلقٌ على معدات وتجهيزات طبية قيد الصدأ.. وعلى أحلامٍ تم توظيفها سياسياً، بين وضع الحجر الأساس والتدشين، قبل سنوات.. وانتهت إلى لاشيء.
مستشفى كلف ملايين الدولارات، كان يفترض به أن يداوي مرضى الحروق، هو خرابٌ بالقوة، في بلد يحطم الآمال. ولا يبقى لمرضى الحروق جنوباً إلا أن ينادوا «يا شافي». أما المعبد الذي كان يداوي بمياهه المقدسة أهل صيدون وجوارها، فهو خراب بالفعل.. ولا من يأبه.
يُقال إن فخر الدين الثاني استعان بأحجار كبيرة من المعبد لبناء جسر فوق نهر الأولي.. فما هي الاستخدامات المحتملة لمبنى «المستشفى التركي» لدى عباقرة السياسة اليوم؟
عماد الدين رائف

Comments