بيوت الله

أمٌ وأربعة أطفال على حصيرة. يفترشونها قرب أرجل المارة على رصيف في آب بيروت. أجساد لم تلتق بالماء منذ زمن، التصقت أسمالهم بها.. وينتظرون ما يسدّون به رمقهم.
مشهدٌ بات مألوفاً في العاصمة، وقصة باتت تتجنبها الآذان.. لكنها حقيقة قائمة ماثلة أمام العيون التي تترفع عن النظر إليها.
لدى تلك الأم المقهورة حكاية.. حكاية تشبه معظم حكايات الهاربات من الموت. حكاية تهجيرٍ، ونظام ومعارضة، و«نصـرة» و«داعـش»، و«داعـش برايم» و«أنتي داعش». لكنها لن تروي حكايتها. هي ليست متسوّلة. تُكثر من «ذكر الله» ولا تنظر إلى المارة ولا تأبه بأحذيتهم التي تدوس على أطراف حصيرتها.. بيتها الوحيد.
فبينما تعيش اللاجئات وأولادهن تداعيات مأساة عرسال اليوم، بات همّهن الوحيد الصراخ «لسنا دواعش».. ومع ازدياد النقمة على امتداد مساحة الوطن المخيم، تفوح من ملفات بعض المنظمات الدولية روائح الفساد، ويقلص بعضها الآخر من تقديماته، وقد أحجم عددٌ كبير منها عن العمل «الإغاثي» و«الإنساني»، الذي يبدو أنه كان مربحاً.. ولم يعد كذلك.
يُرمى «عباد الله» في الشارع بينما توصد أبواب المساجد بأقفال، وتحظى بحراسات. وتجود قرائح سدنتها بحبّ «الإنسانية» وتفيض بوجوب «الإغاثة»، ويجمعون الهبات والتبرعات.
إن كانوا صادقين في ما يدّعونه، فلماذا يقفلون على قاعات وصالونات وسجاد فاخر ومكيفات ودورات مياه.. و«مُغتسل بارد وشراب»؟
لماذا لا تستقبل مساجدهم مُفترِشات الأرصفة، ليغتسلن ويحظين بنعومة السجاد والمكيفات مع أولادهن.. ولو لساعات؟
آلاف اللاجئات وأولادهن في بيروت لا ملاذ لهن إلا الله.. فافتحوا لهن «بيوت الله».
عماد الدين رائف

Comments