"تذكرة مذهبية"

قبل حربنا الأهلية بسنتين، وفي مثل هذه الأيام، انكبّت وزارة الإعلام على إعداد كتيّب لمناسبة الذكرى الثلاثين للاستقلال. أخضر اللون، حمل عنوان «التذكرة اللبنانية»، وقدم له فؤاد افرام البستاني. هو عبارة عن «أقوال مختارة في لبنان من آثار أبنائه في الوطن والمهجر». وأريد للكتيب أن يحمل اسم «التذكرة»، من باب الاصطلاح، أي أنها بطاقة هوّية للتعريف بالوطن.
وبالفعل أنجزته «المطبعة الكاثوليكية» قبل يوم واحد من المناسبة. وقد ضمّ الكتيب قصائد أبرز الشعراء، في رسالة واضحة مفــــادها أن الثــــقافة هــي المؤشـــر الأبرز في الهوية.
ومعظم تلك الأشعار الوطنية والوجدانية كانت مدرجة ضمن المقررات الدراسية المنهجية، ولم تكن غريبة عن آذان الناس. فمن تعلم منهم في المدارس الرسمية والأهلية كان يحفظها عن ظهر قلب ويعرف أسماء الشعراء وقصائد أخرى لهم لم تكن مدرجة في الكتيب.
لكنهم تغنوا بحب الوطن، أو بدوا كذلك، حين كانت موجة التسلح الجماعي مستشرية.. ثم تمترسوا في وجه بعضهم البعض بعد أقل من سنتين، ليحرقوا الوجه المدني لتلك «التذكرة».
اليوم، يندر أن تجد من يعرف أسماء شعراء الوطن والمهجر.. بل حتى النواب الممددين لأنفسهم، الذين يدندنون نوتات ألحان وديع صبرا، ولا يحفظون كلمات رشيد نخلة، لن يستطيعوا تذكر شيء من تلك «التذكرة».. ذلك إن كانوا قد سمعوا بها أصلاً.
يمكنهم أن يذكروا جيداً عبارات مثل «زي ما هيّ»، و«التكليف الشرعي»، أتت بهم إلى البرلمان.. ويمكن لكل مجموعة منهم، في ظل موجة تســـلح جماعي جديـــدة، أن تبتدع «تذكرة مذهبية».. تضــــم «ثقافة» احتكار الحقيقة، وتخوين الآخر وتكفيره.
عماد الدين رائف

Comments