غضب الأهالي

يغضب «الأهالي» فيعتصمون. يقطعون الطرق بالعوائق حيناً، وبالإطارات المطاطية المشتعلة أحياناً. عنوان اعتصاماتهم «دعم للجيش». يحق لهم التضامن مع جيشهم الوطني في مقابل «الإرهاب المتأسلم» ووحشيته.. ذلك حق لا نقاش فيه، بغض النظر عن الخلاف بشأن قطع الطرق، وسخام الدواليب.
لكن «الأهالي» يتناسون أنه يحق لهم أكثر من ذلك.. أكثر من ذلك بكثير.
فهم حين يتوجهون بمطالبهم إلى النواب الممددين لأنفسهم، ووزراء حكومة المصلحة.. يتناسون أنهم بصموا ألف مرة «بالروح بالدم» لأمراء الحروب.
يتناسون أن كل المصائب التي تمر بنا عابرة، أما النكبة المقيمة فتتمثل بقبولهم شيطنة الآخر.. بتخليهم عن مواطنَتهم، واصطفافهم أمام صناديق الاقتراع، حين يسمح بها زعماؤهم، للتصويت مذهبياً وطائفياً. وحين لا يسمحون لهم بذلك، فهم رعايا مطيعون، يبررون تهشيم دستور البلاد، وتحويل قوانينها إلى زواريب للمصالح، وثرواتها إلى تركات يرثها أولاد الزعماء.
يعتصم «الأهالي»، كردة فعل ظرفية، تتم برضى تام من زعمائهم. يخرجون من بيوتهم التي هجرتها نعمة الكهرباء.. وإن وجدت فالأمبيرات الخمسة بمئة وخمسين دولاراً.. يقطعون الطريق على أنفسهم وجيرانهم، بطريقة آلية. يعودون إلى بيوتهم حيث لا ماء ليزيلوا آثار «الشحتار»، وإن وجدت فنقلة الصهريج بعشرين دولاراً وبتبويس لحى.
يعتصمون بـ«صدق»، فهي الآلية الوحيد للاعتصام التي عودهم عليها الزعماء وزبانيتهم ووسائل إعلامهم.. ذلك فيما تؤمّن الاعتصامات قشرة تحجب عن الناظرين رؤية دجل ساسة تخلوا عن الموطنين، قبل أن يتخلوا عن العسكريين.
ووسط كل هذا الدجل.. وحدها دموع أمهات وأخوات وزوجات العسكريين الأسرى هي الصادقة.
عماد الدين رائف

Comments