كرم إنكليزي

هو "يوم حراك المدونين"، وعنوانه المطروح "اللامساواة". لكن السفير البريطاني استبقه مقدماً عرضاً إنسانياً، إذ تبادل بعض مهمات عمله، إعلامياً، مع عاملة منزلية.
أقرُّ بأنني لم أستطع أن أقف على الجدوى أو الطرافة من العرض الكريم.. ربما لأنني لم أستقدم في حياتي عاملات منزليات أجنبيات. وعملتُ منذ طفولتي في مهن مختلفة معهن.. وكنت أؤدي وإياهن الأشغال المختلفة ونتحمل معاً ثقل دم أرباب العمل.
إلا ان دروس العرض الإنسانية المجانية، تتضمن إقراراً مباشراً وتنميطاً لهوية العاملة المنزلية.. إن لم تكن آسيوية فإفريقية.
تلك "الإنسانية" تعوّدنا عليها. سمعنا بعض تفاصيلها مرفقة بالكرم الإنكليزي من أجدادنا. كانوا يتقاطرون بعد مجاعة السنتين إلى تلة الشامية، للتفرج على البواخر الإنكليزية المحملة بالأرز والطحين والسكر واللحوم الأسترالية المعلبة.
تلك الهبات كانت لكسب ودّ الجائعين في منافسة بين الإنكليز والفرنسيين على احتلالنا. على رصيف الميناء كان العتالة المصريون والقبارصة يحملون الشوالات إلى عربات الكارو، لتجرها البغال نحو مستودعات الصيفي. لكن نحو نصف حمولتها كان يلتقطه الناس من العمال ويركضون به إلى بيوتهم.
ذلك المشهد لم يكن ليكتمل إلا بإعلام موجّه، إذ إن الضابط الإنكليزي كان يقف بأبّهة على رصيف الميناء، وإلى جانبه رقيب العتالة الذي كان يصرخ بالجموع الجائعة "ادعوو لووو".. فكان البيارتة يردون عليه "يخرب بيت أبوووه". الضابط المتقن للعربية كأحد أبنائها، كان يردّ على الجموع بابتسامة استعلاء عريضة ملوّحاً لهم بغليونه.
اليوم، أعتقد أن السفير لو كان اصطحب عاملة منزلية أو سفاراتية بريطانية، لا اثيوبية، وتبادل معها بعض المهمات، ولو إعلامياً، لكان أكثر موضوعية.
ألا توجد عاملات منزليات بريطانيات؟
عماد الدين رائف

Comments