يا مهاجرين ارجعوا

يجلس الثلاثيني على المقعد الخلفي لسيارة الأجرة. يتحدث بمحكية ركيكة. تظنه أجنبياً، وهو بالفعل كذلك، إلا انه يتحدر «من أصل لبناني». ويصرّ على ذلك حالماً بالاستقرار في «وطن النجوم».
للوهلة الأولى، لا تدري إن كان ما تسمعه نكتة فتضحك، أو مزحة فتبتسم، أو أنه «يستلمك» فتبدي امتعاضك، أو يستفزك فتغضب.. لا يجد أي تعبير على وجهك، فيعيد ترداد لازمته. تتكفل زحمة السير برسم معالمه.. مهندس متأهل مستقر مادياً، وربما نفسياً وعاطفياً، ينال حقوقه في بلده الأميركي، ويدفع ضرائبه بكثير من الثقة بأنها ستعود عليه وعلى أطفاله بالنفع.
إن كان آباؤه قد تهاونوا، أو لم يعرفوا بالمادة 34 من «معاهدة لوزان 1923»، أو بالمهل الممنوحة لاسترداد الجنسية في الأعوام 1924، و1937، و1946.. أو بتزبيطات بعض المسؤولين للخواصّ، فمن أين له بحلمه؟ تعبيرك الوحيد «دَه ربنِّا لُه حاجات يا جدع».
إذ لا يمر يومٌ إلا وتسمع فيه من قريب أو بعيد عن أشخاص يحاولون أن يفرّوا من البلد.. بفرصة عمل أو بدونها. وإن من يتسنى لك أن تلتقي بهم، تلمس لديهم كميات من اليأس والإحباط، وعدم الإحساس بالأمان، أو عدم الإيمان بأي مستقبل لهم أو لأولادهم.
في مقابل معظمنا، يجد ذلك الشاب، الذي لا يوحي اسمه أو اسم عائلته بلبنانيته، رابطاً ربما روحياً مع لبنانه، من قبيل «غالي الوطن غالي». وعلى الرغم من أنه يبدو متزناً، إلا انك لا تشك بأنه واهم.. فحدود لبنانه قد لا تتخطى مخيلته.
عماد الدين رائف

Comments