معاليك!

إن صدف وجودك أمام تلفاز ينقل مؤتمراً صحافياً، لوزير يكشف فضائح فساد، فما عليك إلا أن تكبس زر إخفاء الصوت.
ابق مكانك. حدق في انفعالات وجهه ويديه، في حركة عضلات عينيه. أمامك فرصة نادرة لتعلّم التمثيل الحيّ الاحترافي على أصوله.. لا يشبه ما تنتجه قنوات الدراما، فذاك يبدو مثيراً للسخرية أمام أداء معاليه، وهو يجود بنفسه حرصاً عليك كمواطن.
لا تسأل عن حجم ملف الفساد، أو نوعه ولونه.. عن كمية الأوراق والأسماء والأرقام. لا تهتم بما سيلي المؤتمر. وإن كان أحد ما ستطاله يد العدالة، فيُساق مخفوراً إلى القضاء العادل ليأخذ مجراه. لا تتأمل في سماع حكم وجاهي أو غيابي.. ابق في حضرة تزاحم الميكروفونات أمام شفتي الوزير.. استمع إلى الصمت في حركة تيـــنك الشفتين وهــما تحــدثانك عـــن اللاشيء المستمر.
لا تشك للحظة بأن اهتمام معاليه كله منصبٌّ عليك. فأنت دافع الضرائب والرسوم والموكوس و«الويركو» والجزية.. أنت مستهلك كل شيء ينتجه ويستورده.. أنت قضيته. كيف له أن يرتاح قبل أن يجعل نهارك أماناً وليلك برداً وسلاماً؟ إياك أن ترسم ابتسامة على وجهك. ارفع رأسك وانفخ صدرك ما استطعت.. وإن تبقى لديك حيل فأدّ له التحية.
ما ان ينتهي المؤتمر الصحافي أطفئ التلفاز. لا تخسر اللحظة. قف أمام الشاشة السوداء. حاول أن تدخل في شخصيته. تخيل أنك هو، وادخل أكثر. البس وجهه وحركة شفتيه.. وإن لمست في أدائك بعض موهبة، فسارع إلى أخذ برَكة زعيم زاروبك، وتحيّن الفرصة للمثول أمام أمير طائفتك. أدّ المشهد الصامت نفسه. وكن على يقين في أنه سيأتي بك وزيراً في حكومة مقبلة.
عماد الدين رائف

Comments