اختناق

غيمة رمادية مصفَرَّة تظهر خلفها بعض ملامح بيروت. تلوث أسبابه لا تخفى على سكان المدينة وزوارها. تلوث لا تزيله شتوة أو سنة مطرية. في المدينة غابة من الهياكل المعدنية المتحركة، سيارات ومركبات من مختلف الأحجام والأشكال تنتظر في زحمة السير لساعات، وهيهات أن تجد موقفاً.
الأدخنة المنبعثة من عوادم المركبات الآلية تزيد من حدة التلوث كل يوم. يمكن تحويلها إلى أرقام ومعادلات، وتنظيم مؤتمرات عنها تخرج بتوصيات. إلا إن التخفيف من التلوث وأضراره بات مستعصياً.
يوم طرحت دولة الانتداب في أسواق بيروت طابوراً من التاكسيات الفرنسية «لاندونيه» مطلع عشرينيات القرن الماضي، فتحت الباب أمام اللبنانيين لما يتخطى الهدف من استخدام السيارة، إذ كان محصوراً قبلها بالنقل. تلك التاكسيات المتحركة الأسقف، ذات العددات القلابة، باتت تنهب شوارع المدينة في كل الاتجاهات.. يستأجرها من يقدر على تحمل كلفتها، بقصد التباهي. تلك النشوة كان يرافقها التصفيق والغناء. أما فقراء المدينة فكان يرمقون ذوي السعة بأبصارهم من بعيد، متحسرين على حرمانهم من النعمة المستجدة.
تستضيف بيروت اليوم مؤتمراً بشأن «تلوث الهواء من جراء قطاع النقل البري»، بدعوة من «الإسكوا». سيحدثنا عن الملوثات وحجم التلوث ومخاطره وأضراره، والحلول المقترحة. ويمكن أن يتوقف عند الملوثات من ﺃﻭل ﺃوﻜﺴﻴﺩ ﺍﻟﻜﺭﺒﻭﻥ إلى الغبار، ويحتسب مجموعها السنوي، ثم يضربه بعدد السيارات المسجلة في الدكوانة والأوزاعي.. ليجعل واقعنا أكثر مرارة.
ذلك بينما لا يزال الهدف من استخدام السيارة ملتبساً.. ربما نحتاج إلى مؤتمرات لتحديد ذلك.. سواء كانت وسيلة نقل أو قتل، أو مادة تباه ومفاخرة، أو لتمضية الوقت وقتله في البحث عن موقف لها.. أو هي إحدى وسائل الخنق للنفس وللآخرين بسخامها.
عماد الدين رائف

Comments