لبنان في قلب موسكو: معرض لتاتيانا بحر

نظمت في قلب العاصمة الروسية موسكو في نيسان/ أبريل 2015، فعاليات معرض تاريخي وثائقي هو الأول من نوعه، يتخطى أعمال المواطنين الروس في بلادنا، إلى تلمس التمازج الثقافي والتعاون الحضاري بين روسيا القيصرية والسوفياتية والاتحادية الحديثة، من جهة، ولبنان العثماني، ثم المتصرفية والكبير، وصولاً إلى الجمهورية، من جهة أخرى.
تلك الرحلة تخوضها الباحثة الروسية اللبنانية تاتيانا كوفاشيفا بحر، منذ تسعينات القرن الماضي إلى اليوم، حيث افتُتح معرض "الروس في لبنان"، المكرّس للذكرى السبعين على إقامة العلاقات الديبلوماسية بين الاتحاد السوفياتي ولبنان، وذلك في قاعة معارض "بيت المغترب الروسي" الذي يحمل اسم ألكسندر سولجنيتسن.
قرب محطة تاغانسكايا، إحدى المحطات الأكثر عمقاً على الخط الدائري لمترو الأنفاق، يقع "بيت المغترب الروسي" بهندسته الجميلة. هناك انطلقت أعمال المعرض بحفل افتتاحي رسمي بحضور إدارة "بيت المغترب الروسي" و"الجمعية الإمبراطورية الفلسطينية الإرثوذكسية"، ونواب في مجلس الدوما الروسي، إلى جانب الوزير والنائب السابق طلال ارسلان، والسفير اللبناني في موسكو شوقي بو نصار ووفد من السفارة والقنصلية، والملحق الثقافي والإعلامي في السفارة الروسية في بيروت الباحث سرغي فرابيوف، ورئيس الجالية اللبنانية في روسيا حسان نصرالله، ورئيس المركز الثقافي العربي في سان بطرسبورغ مسلم شعيتو، والإداري في "جمعية البيت اللبناني" في موسكو محمد علي البيطار، ورئيس الرابطة اللبنانية في الجامعة الروسية للصداقة علي يزبك، بالإضافة إلى أكاديميين وباحثين ومهتمين بالشؤون العربية.
بعد الافتتاح الرسمي والكلمات الترحيبية، جال الحضور في المعرض.
تشرح تاتيانا بحر عن عملها، تقول: يروي المعرض عن تاريخ الوجود الروسي في لبنان، عبر الوثائق والخرائط، والصور، ومختلف المواد البصرية، من المحفوظات والمكتبات، ونسخ من المجموعات الخاصة في البلدين.
عن حقبات التفاعل الثقافي بين روسيا ولبنان تقول: بدأ ذلك مع رحلات الحج إلى فلسطين. وتتوقف عند أهم الحجاج الذين تركوا مذكرات لهم عن لبنان، من دانييل المهاجر وفارسونوفي الراهب، إلى فاسيلي غريغوريفيتش بارسكي، وأندريه مورافيوف، وبيوتر فيزيمسكي والكاتب الكبير نيقولاي غوغول.
وتعرض بحر لنتائج البعثة الأثرية الروسية بقيادة البروفيسور كونداكوف، وصولاً إلى حج الأمراء الروس في القرن التاسع عشر. ولعل ذورة التعاون تجلت في المدارس المسكوبية، التي أنشأتها "الجمعية اللإمبراطورية الفلسطينية" في فلسطين ولبنان وسوريا، وكان لبلدنا نصيب كبير منها.
كذلك يتحدث المعرض عن الرحلات البحرية التجارية ورحلات الحجاج الروس من المسيحيين والمسلمين إلى الديار المقدسة. ولا يغفل تطور العلاقات الديبلوماسية متوقفاً عند القناصل خلال القرن التاسع عشر، وأعمال القنصل ألكسندر غاغارين الفنية. ثم يوثق لإعادة انطلاقة العلاقات في الحقبة السوفياتية مع جهود السفير فوق العادة نيقولاي نوفيكوف وجولته اللبنانية صيف العام 1944.
إلا أن للثقافة والفنون حظاً وفيراً من المعرض، فلبنان الذي كانت له محطات عزيزة لدى الرسام فاسيلي بالينوف، والشاعر إيفان بونين، يزداد الحضور الروسي فيه، بعد الثورة البلشفية، لتحط رحالها على شواطئنا جالية روسية، تقدرها بعض المصادر بثلاثة آلاف شخص مع عائلاتهم، فتخلق تجمعاً لها وتحافظ على بيئتها الأم وتقاليدها.
ويتضح أن اللاجئين الأوائل وصلوا من الأستانة عبر البحر سنة 1921، ومعظمهم من ضباط جيش القيصر، وأعضاء الطبقة البرجوازية والمثقفين، الذين سرعان ما وجدوا أعمالاً لهم في المجالات الهندسية والتقنيات لدى إدارة الانتداب الفرنسي. وأسسوا "الجمعية التقنية الروسية" سنة 1929، التي أنشأت مكتبة عامة، بقيت كتبها محفوظة جزئياً. يُذكر أن ممثلي "بيت المغترب الروسي" قاموا بزيارة لبنان في شباط الماضي، وبجولة على معمري الجالية الروسية، واطلعوا على المكتبة في "المركز الثقافي الروسي في بيروت"، وانتقوا منها ما هو نادر لمعالجته وحفظه، كما قدموا هدية من نتاجهم الكتبي إلى المركز.
أما الجالية الروسية فاستمرت في تقديم نتاجها الفني إلى وطنها الثاني لبنان، ولعل قلة من غير المحترفين يعرفون أن من كان يرسم العملات الورقية والمعدنية والطوابع البريدية والمالية وأوراق اليانصيب وسندات الخزينة وغيرها، هم من الفنانين الروس المهاجرين، وأغزرهم إنتاجاً كان بول كراليوف، الذي تنطبع أعمال ريشته وهو يرسم المواقع الأثرية على العملات في الأذهان. ثم يليه الرسامان فلاديمير بليس، ويفغيني بورادا.
المعرض يستمر حتى الثلاثين من نيسان الجاري. وهو برعاية السفارة الروسية في بيروت، و"الجمعية الثقافية الإمبراطورية الأرثوذكسية اللبنانية"، بالتعاون مع السفارة اللبنانية في موسكو. وتلفت تاتيانا بحر إلى أن المعرض لم يكن ليكتب له النجاح لولا رعاية السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسيبكين، والجهد الكبير للملحق الثقافي والإعلامي في السفارة الباحث المؤرخ سرغي فرابيوف، الذي عمل معها على التحضيرات خطوة خطوة. ذلك بالإضافة إلى الترحيب والاحتضان الذي حظي به مشروع المعرض من نائب مدير "بيت المغترب الروسي" إيغور دومينين.




المصدر: برنامج "حديث روسيا" الإذاعي عبر أثير "صوت الشعب"، الحلقة 201، بتاريخ 18 نيسان/ أبريل 2015، وجريدة السفير، عدد 15 نيسان/ أبريل 2015، بعنوان "لبنان في قلب موسكو: معرض لتاتيانا بحر".

Comments