من د. جميل جمال - قراءة في الكتاب

في الشكل، أول ما يلفت هو الجهد الذي بذله الكاتب - المترجم في التفتيش عن هذا النص، بحيث إنه لم يترجم كتابا منشورا جاهزا، بل نصوصا تآمر عليها وعلى كاتبها التاريخ وغابت عن الذاكرة الأدبية إلى الآن. 
وهنا، نجدنا أمام مادة جديدة بالكامل، لم نسمع عنها من قبل وهذا جديد على عالم الترجمة، الذي يتوخى التصدي عادة للمشهور من النصوص.

لن ادخل في جماليات الترجمة، لست اختصاصيا، لكنني توقفت عند قراءة هذا الكتاب عند تلك اللغة الجميلة السلسة والمتينة التي نقل بواسطتها كاتبنا نصوصه عن اللغة الروسية، وهي مهمة صعبة نظرا لصعوبة التعريب عنها، ولخصوصية هذه اللغة، التي لم تنقل آدابها المعروفة الينا عنها مباشرة، بل إن معظم ما نقرأه عن الأدب الروسي هو ترجمة للنسخ الفرنسية.

أما في المضمون، فأول ما يلفت نظر القارئ، هذا الانبهار بجمال طبيعتنا و عذريتها، إذ أنه يأخذنا إلى مناطقنا ويحدثنا عن مناظر خلابة، لم تعد تراها أعيننا، عن ثلوج تغرق الخيول، عن شروق من سفح حرمون الشرقي، عن شمس تغرق في مياه المتوسط لا يفصلها عن جبل الشيخ غير المدى... هذا ما يجعلنا نتوقف عند الدمار العظيم الذي احدثناه ببيئتنا خلال مدة وجيزة من الزمن، كما أننا قد تعودنا على طبيعتنا لدرجة أننا نحتاج عين غريبة تذكرنا بما لدينا من غنى و جمال طبيعي.
يحدثنا الكاتب عن جغرافيا تغيرت تسمياتها، فبعدما كانت الطريق بين القدس و الشام تمر بحرمون و بعدما كانت صيدا وبيروت محطات لزائر الشرق، نجد الآن كيانات فصلت ما بين البشر و جعلتهم رعايا لمسوخ دول مستقلة.
وهنا نأتي لنظرة الكاتب لسكان هذه المناطق، و هو يظهر تلك البساطة التي تعم الناس وطيبتهم وانقطاعهم عن العالم و تشبثهم بعادات و تقاليد بعضها قد بلي و كرمهم و ابائهم وشدة بأسهم وقسوتهم، لكنه لا يستطيع تجاوز نظر الاستعلاء الاسشراقية وان بدت خجولة بالمقارنة مع مستشرقي الغرب. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الروس في ذلك الوقت وكما يستشف من هذه الاقاصيص، لم يختلفوا عن بقية الدول الكبرى والمستعمرة في نظرتهم إلى شعوبنا، بحيث صنفوهم طوائف ومللا و أديانا وليس شعوبا واحدة، ويظهر من صفحات الكتاب النظرة الروسية للطائفة الأرثوذكسية في الشرق، بحيث يظهرون أنفسهم لهم كراع لمصالحهم ويفتحون لهم المدارس الارسالية ويتعاطون معهم من خلال المؤسسات الدينية و كذا. كما اننا نرى في صفحات الكتاب (شاهين هدلا) ما لم نعهده في تلك المناطق من تعصب ديني خصوصا تجاه الأرثوذكس.
اذ يظهر لنا هذا التركيز على الحزازيات الدينية ذو مقاصد غير جيدة و مضخم أكثر بكثير مما هو موجود، بحيث يبدو أن الكاتب و هو يكتب للقارئ الروسي وليس العربي، يبدو وكأنه يجيش الدوائر الرسمية الروسية والرأي العام لزيادة تدخلهم والدفاع عن أبناء دينهم المظلومين. يبدو للقارئ عند انتهائه من القراءة طغيان هذا الموضوع على غيره من الأحداث.

جميل جمال

Comments