د. زياد زين الدين: قراءة في "1897 – قصص بيروتية"

شعرت للوهلة الأولى أن كتاب "1897 - قصص بيروتية" جاء في وقته، لم يتغيّر الشيء الكثير من 1897 (أيام كريمسكي) إلى يومنا هذا.. صراع الحضارات على "أراضينا المقدسة" تمثّل بصراع البعثات الدينية (التعليمية) ليس لفرض أفكارها علينا فحسب، بل لتعليم لغاتها أيضا كالفرنسية من جهة، والمسكوبية (الرّوسية) من جهة أخرى..

الطبقات الاجتماعية في لبنان كانت حاضرة في الكتاب، ولعلها رؤية كريمسكي تثير الفضول حول الزيف الموجود في الطبقات الأرستقراطية خاصة، ما انعكس بشكل أو بآخر على نمط اللبناني بشكل عام (الفشخرة). لا ننسى طبقة التجار وضروب احتيالها واستغلالها للأجنبي بشكل خاص في بيروت. لا تخلو حبكة القصة عند كريمسكي من نظرة الاستعلاء والسخرية من كل طبقة على حدة، ما أعطاني انطباعًا قويًا أن كريمسكي بذاته لم يعجبه شيء في بلادنا!

لاحظت تشتّتًا في السرد القصصي، و لعل هذا تعمّده كريمسكي، إذ أن هدفه منذ البداية كان واضحًا في توجيه الرسالة المنشودة، وهي وصف الواقع الإنساني والحضاري لبلادنا .
ومهما كان الانتقاد لاذعًا عند كريمسكي، فقد أوضح التباين الطبقي والديني الذي كان سائدًا، و كان واضحًا أن الإرساليات لعبت على الوتر الطائفي المسيحي تحديدًا، في حين أن السلطنة كانت مشغولة أكثر بـ"حريم السلطان"، ضاربة عرض الحائط بالتعليم والعلم عند أبناء العرب بشكل عام.
النعرة القومية الطفيفة التي ملكتني بعد قراءة القصص، حدت بي إلى الردّ على كريمسكي بالقول: إن اللغة الفرنسية كانت طاغية في بلاده كذلك، وكان النبلاء في انحاء الأمبراطورية الروسية لا يتحدثون بالروسية (شعورًا منهم بالدونية)، حيث الاستعباد كذلك كان سائدًا، وكانت العذارى من الطبقة المعدمة مباحات للأسياد...

بشكل عام، المؤلم هو أننا لم نتغير!
لا يزال الغرب والشرق يلهوان بنا و بحضارتنا، فنحن نهبّ مع الريح، نكون مع السلطة وحيث التجارة الرابحة (تارة بعثيين وطورًا شيوعيين، وطورًا آخر إسلاميين مثلًا) حسب إملاءات الآخرين. وما زلنا ننقل السلاح والثقافة من كتف إلى كتف، وما زالت الطبقة البرجوازية - وإن تغيّرت وجوهها - بفشخرتها تسود حاضرنا ومستقبلنا ...
الكتاب "متعوب عليه" لاسيما وأنه ترجم من الأوكرانية العاميّة، وأتخيل الصعوبة التي واجهها الكاتب.. والنتيجة كانت كتابًا مشوقًا يستحقّ القراءة ويجعلنا بانتظار أعمال مقبلة للكاتب الرائع عماد الدين رائف.

د. زياد زين الدين

Comments